جاكسون ديل: صداع للحكومة المصرية فى واشنطن
محمد المنشاوي
آخر تحديث:
الأربعاء 3 نوفمبر 2010 - 9:40 ص
بتوقيت القاهرة
مبكرا جاء انتقاد افتتاحية صحيفة الواشنطن بوست للرئيس الأمريكى باراك أوباما، يوم السبت الماضى، على تجاهله قضية الديمقراطية، وعدم الضغط على الرئيس المصرى حسنى مبارك، إذا نشرت الافتتاحية قبل أربعة أسابيع كاملة على موعد إجراء الانتخابات البرلمانية المصرية، وهو ما يوفر للصحيفة المزيد من الوقت لنشر افتتاحيات ومقالات رأى أخرى خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
ويمثل جاكسون ديل Jackson Diehl نائب محرر صفحة الرأى والمشرف على افتتاحيات الصحيفة المتعلقة بالقضايا الخارجية للولايات المتحدة، ظاهرة غريبة محيرة للحكومة المصرية، إذ ينتظم فى انتقادها بصورة لا تنالها أى دولة أخرى من الدول الحليفة أو غير الحليفة للولايات المتحدة.
ولن يغيب الانتقاد الحاد فى افتتاحيات الصحيفة المرموقة لسياسات الحكومة المصرية طالما بقى جاكسون ديل فى منصبه فى الصحيفة.
ويرى الكثير ممن على اطلاع بملف العلاقات المصرية الأمريكية فى واشنطن أن جاكسون ديل يمثل صداعا حقيقيا للحكومة المصرية، بما يسببه لها من توتر متكرر نظرا لما ينشره فى صدر الصحيفة الأكثر أهمية ونفوذا فى العاصمة الأمريكية. توزع الصحيفة 582 ألف نسخة يوميا، وتصل يوم الأحد - عددها الأسبوعى - إلى 822 ألف نسخة، ويقرؤها على الإنترنت 9.6 مليون شخص شهريا.
وخلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2010، نشرت الواشنطن بوست خمس افتتاحيات تنتقد بصورة مباشرة سياسات الحكومة المصرية بصورة مباشرة، كان من أهمها تلك التى انتقدت تجديد قانون الطوارئ فى مايو الماضى.
كذلك نشر جاكسون ديل فى صفحة الرأى بالصحيفة عددا من مقالات الرأى لخبراء مصريين وأمريكيين ممن عرفوا بانتقادات حادة للحكومة المصرية مثل الباحثة الجادة ميشيل دان.
ولجاكسون ديل علاقة طيبة تجمعه بشيخ المعارضين المصريين فى الولايات المتحدة، الدكتور سعد الدين إبراهيم، كما أنه من المعجبين بتجربة الدكتور أيمن نور، ومؤخرا فتح ديل أبواب مكتبه لرموز المعارضة المصرية من غير الإسلاميين، وقد زاره منذ أيام ممثلو بعض جماعات المعارضة المصرية بأمريكا، وعرضوا عليه شريط فيديو خاصا بالطالبة سمية أشرف، التى اعتدى عليها ضباط الحرس الجامعى، إضافة إلى صور مقتل خالد محمد سعيد على يد الشرطة المصرية بالإسكندرية. وقد يكتب عن الحالتين قريبا.
ورغم ما تنفقه الحكومة المصرية من أموال كبيرة لتحسين صورتها فى العاصمة الأمريكية، ولخدمة مصالحها، والتى يأتى على رأسها التواصل الإيجابى مع الإعلام الأمريكى، فإن مثل تلك الافتتاحية، وغيرها، يكون لها آثار سلبية كثيرة من ناحيتين. الأولى أنها تشوه صورة الحكومة المصرية بصفة عامة نتيجة وصول الجريدة لعدد كبير من صناع القرار والرأى الأمريكيين، خاصة فى المراحل الحرجة قبل وأثناء وبعد إجراء الانتخابات، ويتبع هذا انعكاسات سياسية مهمة إذ تساعد فى تشدد بعض أعضاء الكونجرس خاصة فى قضية المساعدات لمصر، إضافة لأنها تحبط رأس المال الأمريكى الراغب فى الاستثمار فى مصر، كما أنها تضغط على إدارة الرئيس أوباما من أجل مزيد من التشدد مع الحكومة المصرية.. ومن ناحية أخرى يكون لها صدى كبير فى مصر كونها تعرى الحكومة المصرية فى أهم عاصمة دولية، وتهز شرعية الانتخابات والحكومة ذاتها عند الكثير من المصريين.
ولا يعمل جاكسون ديل فى فراغ فى واشنطن، إذ تشهد العاصمة الأمريكية حراكا سياسيا على مستوى مراكز الأبحاث، التى تهتم بالشرق الأوسط، فقد أطلقت مؤسسة كارنيجى للسلام الدولى مؤخرا موقعا إلكترونيا يسمى «دليل كارنيجى لانتخابات مصر» يعرض كل ما يخص الانتخابات المصرية باللغة الإنجليزية والعربية، كما يصدر مشروع ديمقراطية الشرق الأوسط نشرة يومية وأسبوعية عن الأحوال المتعلقة بالانتخابات فى مصر. وتصل هذه الجهود وتؤثر فى الكثير من أعضاء الكونجرس والإدارة الأمريكية.
ويذكر ديفيد أوبى، العضو الديمقراطى، ورئيس لجنة المخصصات فى مجلس النواب الأمريكى، واصفا افتتاحيات صحيفة الواشنطن بوست قبل الحرب على العراق بأنها «ساهمت فى دفع ثلثى أعضاء مجلس النواب الأمريكى للتصويت لصالح نصيحة غبية وغير محسوبة، ساعدت على تدمير نفوذنا ومكانتنا حول العالم».
وكان ديل يؤكد دوما ضرورة غزو العراق لما يمثله من خطر على البشرية يعادل خطر هتلر وخطر نازية ألمانيا. وكان ديل يؤمن (أو أظهر ذلك) أن غزو العراق سيسمح بتحول ديمقراطى تاريخى فى منطقة الشرق الأوسط. وعندما تدهورت الأوضاع فى العراق، وسال دم الحرب الأهلية والنزاعات الطائفية وانتشار العمليات الإرهابية، دافع ديل عن مواقفه السابقة، وانتقد طريقة بوش فى إدارة العراق بعد الغزو.
ويرى جرايم بانرمان، الذى ساعد فى السابق الحكومة المصرية فى التواصل مع صانعى القرار والإعلام الأمريكى، «أن هناك أسبابا شخصية محضة ممن يشرفون على صفحة الرأى فى واشنطن بوست، ونظرا لاستقلال صفحة الرأى عن مالكى الصحيفة وبقية المحررين، لا يستطيع أحد أن يؤثر فى هذه الصفحة».
وأضاف: «لا يمكن تغيير افتتاحية أو رأى واشنطن بوست إلا بتغيير الأشخاص العاملين فى هذه الصفحة»! وبسؤاله عن «جاكسون ديل» تحديدا، ومشاكله مع الحكومة المصرية؟ رد بانرمان بقوله: «كما قلت لك هى مشاكل شخصية بالأساس، ولا يمكن حلها بتبادل الآراء والاستماع لوجهات النظر المختلفة».
ولا تغيب الانتقائية عن السيد جاكسون ديل، الذى يتعمد تجنب انتقاد حلفاء أمريكا فى الشرق الأوسط باستثناء مصر، وقد وصف ديل فى أحد مقالاته أن الملك عبدالله فى الأردن يتحرك بقوة للأمام مصمما على تطبيق ديمقراطية حقيقية فى الأردن»!
ورغم احتواء الافتتاحية الأخيرة على نقاط موضوعية بخصوص غياب الديمقراطية فى مصر، فإن ما انتهى إليه جاكسون ديل من مناداة أوباما بالاكتراث بملف الديمقراطية فى مصر أسوة باهتمامه بانتقاد استمرار بناء المستوطنات الإسرائيلية، إذ قال: «إذا كان الرئيس منزعجا من تحدى النظام المصرى، وعليه أن يظهر ذلك بنفس الطريقة، التى أظهر بها استياءه حيال رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو»، إلا أنه ساعد بهذه المقارنة على أن تفقد الافتتاحية أى مصداقية لدى من قرأها من المصريين.
Mensh70@gmail.com