طه حسين

عماد الغزالي
عماد الغزالي

آخر تحديث: الإثنين 3 نوفمبر 2014 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

مثّل طه حسين منذ البداية ظاهرة ثقافية ثورية.

كان كتابه «فى الشعر الجاهلى» الذى صدر عام 1926، هو حجره الأول الذى ألقاه فى بحيرة ثقافتنا الراكدة، وقد صودر الكتاب عقب ظهوره، واضطر صاحبه إلى حذف عدد من صفحاته التى أثارت الرأى العام وقتها، ليصدر فيما بعد تحت عنوان «فى الأدب الجاهلى».

قدم طه حسين خمسة مبررات لشكه فى انتحال العرب للشعر بعد ظهور الإسلام، وهى: العصبية القبلية، حيث أرادت القبائل فى صراعها بعد الإسلام أن تخترع لنفسها مجدا قديما، فلجأت إلى وضع أشعار نسبتها إلى الجاهليين من شعرائها، ثم الصراعات الدينية التى دفعت يهودا ونصارى إلى وضع كثير من الشعر نسبوه إلى شعرائهم فى الجاهلية، ثم الشعوبية، اى تمجيد الأصول العرقية التى ينتمى إليها من دخلوا حديثا فى الإسلام كالفرس، وقد وضع الرواة شعرا يمجد الماضى الفارسى على ألسنة شعراء جاهليين، تقربا من الوزراء الفرس الذين استوزرهم العباسيون، ثم القصّاص والرواة الذين وضعوا شعرا تحدثوا فيه عن أمجاد قبائل بعينها طمعا فى العطايا.

وبسبب الضغوط التى تعرض لها طه حسين من السلطتين السياسية والاجتماعية، اتجه إلى الكتابة الدينية، وهى المرحلة التى ظهرت فيها «على هامش السيرة» و«مرآة الإسلام» و«الفتنة الكبرى»، قبل أن يخرج علينا بكتابه المهم «مستقبل الثقافة فى مصر»، وهو مجموعة دراسات حول إصلاح التعليم، حاول تطبيقها حين عمل مستشارا لوزير المعارف فى الفترة من 1941 وحتى 1944، داعيا إلى اتاحة التعليم لجميع أبناء الشعب وهو ما نجح فى تطبيقه حين صار وزيرا للمعارف فى آخر حكومة وفدية عام 1950، ليعلن مجانية التعليم الثانوى كله.

بعدها أصدر مجلة «الكاتب المصرى»، والتى عكست كتاباته فيها اهتمامه الأصيل بالإصلاح الاجتماعى، ونشر على صفحاتها مجموعته «المعذبون فى الأرض»، والتى صدّرها إلى القرّاء بقوله: «إلى الذين يحرقهم الشوق إلى العدل، وإلى الذين يؤرقهم الخوف من العدل، إلى الذين يجدون ما لا ينفقون، وإلى الذين لا يجدون ما ينفقون»، وتبعها بقصته «ما وراء النهر»، وكانت هى الأخرى صرخة أدبية فى وجه الظلم الاجتماعى.

كان طه حسين معبرا عن تيار يرى مصر الحديثة جزءا من أوروبا ثقافيا.. «كما كانت قديما على صلة بالعقل اليونانى، اتصال تعاون وتوافق وتبادل مستمر فى الفن والسياسة والاقتصاد»، بحسب قوله، وهى الدعوة التى دفعت خصومه إلى اتهامه بالتغريب والانسلاخ عن الإسلام، ولم تشفع له كتاباته المهمة فى تاريخ الإسلام، فى دفع التهمة عنه. أما طه حسين الأديب، فهو أكثر الجوانب التى تعرضت للظلم فى مسيرة هذا الرائد الثقافى الفذ، وبرأيى، فإن «أديب» و«دعاء الكروان» و«الأيام» و«شجرة البؤس» و«المعذبون فى الأرض»، هى من لآلئ الأدب العربى الحديث.

لم يكن «العميد» حدثا عابرا فى مسيرة مصر الحضارية والإنسانية، كان تعبيرا عن ثورة ثقافية ورؤى إصلاحية وتنويرية شاملة، ضمت إلى جواره عظماء كبارا: لطفى السيد والعقاد وعلى ومصطفى عبدالرازق وتوفيق الحكيم وحسين فوزى والزيات والدكتور هيكل والمازنى وعشرات غيرهم فى كل مناحى الفنون والثقافة، وهو أكثر ما نفتقده الآن.

هذا هو طه حسين الذى نحتفل هذه الأيام، بذكرى وفاته قبل واحد وأربعين عاما.

فانظر وتدبر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved