الحاجة إلى الإرشاد النفسى
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 3 ديسمبر 2019 - 9:25 م
بتوقيت القاهرة
جانب مهم من الخطاب الاعلامى تحكمه ثقافة الهوجة، بمعنى أن تتحول حادثة إلى حديث الرأى العام، وأغلب الظن يكون الحديث لحظيا يفرغ فيه المجتمع الشحنة الانفعالية التى يمتلكها، ثم يخبو تدريجيا، ومع مرور الوقت تقع أحداث مماثلة، وربما أكثر ضراوة، دون أن ينتفض لها المجتمع لأنه تعود على هذه النوعية من الأحداث. مثال على ذلك الحديث الدائر حاليا حول انتحار الشاب طالب الهندسة بجامعة حلوان من أعلى برج القاهرة، ومحاولة ربط ذلك بأحداث انتحار مشابهة. بلا شك انفعال الرأى العام مقدر، والحادث مهم، ولا يجب التقليل من شأنه، ولكن هذا لا يعنى سحب النقاش إلى مربع الحلال والحرام، وكأنها قضية دينية بحتة، فى حين أن لها أبعادا اجتماعية مهمة، وهو ما يتطلب التفكير فى سبل المواجهة.
أيا كان الموقف الدينى فى الإسلام والمسيحية تجاه المنتحر، فالله أعلم بحال عبيده، ولكن هذا يسلط الضوء فى رأيى على غياب الإرشاد النفسى فى المجتمع، ليس فقط فى مواجهة شخص يفكر فى الانتحار، ولكن أيضا فى مجالات كثيرة ينجم عنها مآس، مثل الخلافات الزوجية، ويكفى القول إنه فى اليوم الذى كان المجتمع مشغولا بالحديث عن مأساة الطالب المنتحر، وقعت جريمتا قتل – حسبما نشرت وسائل الإعلام ــ بطلها الزوج، والضحية هى الزوجة، والسبب هو الخلافات الأسرية.
أيا كانت الأسباب، فإن أفراد المجتمع بحاجة إلى إرشاد نفسى، وهو ما يحدث فى المجتمعات المتقدمة حيث يجد الشخص الذى يمر بأزمة نفسية من يساعده، ويمد له العون على مواجهة المواقف الصعبة. يظن البعض أن هذه خبرة مجتمعات مرفهة، أما نحن فإن المساعدة عند الاحتياج تأخذ فى الأذهان طابعا ماديا صرفا، ولا تنصرف إلى المشكلات النفسية التى لا يرى المجتمع ــ مع الأسف ــ أهميتها مقارنة بالمشكلات ذات الطبيعة المادية أو المالية أو حتى الخلافات الاجتماعية.
فى مجتمع يتحول، وعالم مضطرب هناك ضرورة أن يجد الشخص مرشدا نفسيا إلى جواره، شخص يلجأ إليه طلبا للعون، يساعده على مواجهة المشكلات النفسية التى يواجهها، ويرشده إلى التفكير السليم فى مواجهة الأزمات. هؤلاء موجودون فى المجتمع، ولكن بشكل عشوائى، قد يرتاح الناس إلى شخص يتحدثون معه، وغالبا ما يكون رجل دين، أو شخصا اجتماعيا لطيفا، وقد يكون طيبا، محبا للآخرين، ولكن لا يمتلك المعرفة والخبرة التى يحتاج إليها الشخص الذى يرشد الآخرين.
أدعو وزارة التضامن الاجتماعى أن تقيم معاهد للإرشاد النفسى، تستقدم فيها متخصصين، وتفتح أبوابها للمتطوعين من المجتمعات المحلية للتعلم فيها، ثم تعطيهم رخصة الإرشاد النفسى – تماما مثل الافتاء الدينى ــ تكون لهم مكاتب فى الجمعيات الأهلية، وعناوين معروفة، ووسائل اتصال سهلة ميسورة، بحيث يلجأ إليهم من يكون لديه مشكلة، يجد من يسمعه، ويساعده على مواجهتها. قد يوجد هناك بعض من هذه التجربة فيما يعرف بالإرشاد الأسرى، ولكن المسألة تجاوزت ذلك.
نتذكر دائما أن المجتمع به فائض كلام، ولكن للأسف قلة فى عدد المستمعين