محمد ابو الغيط
أحمد عبدربه
آخر تحديث:
السبت 3 ديسمبر 2022 - 8:45 م
بتوقيت القاهرة
فى يناير ٢٠١٢ وبينما كنا نحتفل بالذكرى الأولى لثورة يناير المجيدة، قابلت فى إحدى الفعاليات الثقافية شابا شديد الأدب والتواضع سألنى عن تقييمى للعام الأول من الثورة ومدى بعدنا أو قربنا من الديموقراطية المنشودة! صراحة لا أتذكر إجابتى على وجه الدقة وإن كنت أثق أنها كانت إجابة تحمل الإيجابية؛ إذ إنى كنت ما زالت متفائلا بمستقبل الثورة المصرية والتحول إلى الديموقراطية فى تلك الأيام! لكن بكل تأكيد ما أتذكره جيدا هو كيف أننى انبهرت بهذا الشاب ليس فقط لأدبه ودماثة خلقه، ولكن أيضا لسعة اطلاعه وثقافته!
سألته عن اسمه، فرد محمد أبوالغيط، فسألت عن دراسته فقال الطب، قلت أنت دكتور إذا، فرد سابقا، ولكنى الآن أخوض فى عالم الصحافة! ذلك اللقاء القصير كان سببا فى معرفتى ولاحقا صداقتى مع محمد أبوالغيط، أو دكتور محمد كما أحب أن أناديه، بينما يصر هو على أن الطب أصبح من الماضى!
• • •
على مدار السنوات التالية، قابلت محمد عدة مرات فى الكثير من المناسبات الثقافية والفعاليات السياسية واللقاءات الإعلامية التى كان يقوم بالإعداد لها ودائما ما كانت مميزة فى فترة هى الأكثر ثراء فى تاريخ الإعلام المصرى ولا سيما برامج الحوارات السياسية أو ما صرنا نطلق عليها باللغة العربية الـ «توك شو»! فى كل مرة كنت أقابله فيها كان يتمتع بنفس الأدب الجم والتواضع، رغم أن اسمه فى عالم الصحافة كان بدأ فى الصعود بين نجوم شباب الصحافة فى ذلك الوقت! وبينما كنت أستطيع ببساطة رؤية الكيفية التى تغيرت بها بعض الطبائع الشخصية لهؤلاء النجوم الجدد، كنت لا أرى أى تغيير فى الطباع الشخصية لمحمد، فهو مازال نفس الشاب دمث الخلق، المجتهد، المخلص لما يفعل، وإن كان فى كل مرة أقابله فيها ألاحظ ازدياد نضحه وثقافته واطلاعه ليس فقط على السياسة، ولكن أيضا الأدب والشعر!
بعد ٣٠ يونيو تباعدت المسافات بعض الشيء، ولكن أبقينا التواصل على شبكات التواصل الاجتماعى، وبدأت أتابع رحلة محمد كزوج لإسراء وأب ليحيى. محمد ليس أبا تقليديا بكل تأكيد، فهو يشارك متابعيه كل خطوة من خطوات تطور يحيى، شغفه بأسرته لم يكن يقل بأى حال عن شغفه بعمله الصحفى والأدبى، وفى عز ما كان اليأس يسيطر على البعض من أبناء جيلنا بسبب تصاعد العنف السياسى والإرهاب وتباعد الديموقراطية، لم يكن محمد يظهر أى قدر من اليأس، فكان يحافظ على نفس الشغف والاهتمام بما يفعل مهما كانت التحديات والظروف.
ذهب محمد إلى لندن فى رحلة جديدة فى الحياة، بينما ذهبت أنا إلى الولايات المتحدة وأبقينا التواصل إلكترونيا إلى أن حانت الفرصة وذهبت إلى لندن فى ديسمبر ٢٠١٥ لمقابلة بعض الأصدقاء وعمل لقاءات تلفزيونية لإحدى المحطات العربية هناك، وقطعا كان البرنامج من إعداد محمد، الذى أخذ كعاداته الاهتمام بكل تفاصيل محاور الحلقة والاجتهاد لتخرج فى أفضل صورة دون التدخل فى كلام الضيوف أو حتى محاولة التأثير عليهم بأساليب متنوعة لضمان عدم الخروج عن السياسة التحريرية للقناة كما يفعل البعض.
مكثت أسبوعا فى لندن وعدت للتواصل مع محمد بشكل يومى، فلاحظت وقتها التطور الكبير الذى طرأ على مهنيته فأصبح واحدا من أهم أصحاب التحقيقات الاستقصائية فى العالم العربى بلا أى مبالغة، وتلقى عن ذلك العديد من الجوائز العالمية التى يستحقها هذا الشاب المثابر بكل تأكيد، فأخذ نجمه فى السطوع ليس فقط مصريا وإنما عربيا وعالميا!
ورغم تلك النجومية الكبيرة لم يتغير محمد فهو كما هو كما قابلته أول مرة! أتذكر أننى ذهبت إلى مقر القناة فى لندن؛ حيث كان موعد إحدى الحلقات على الهواء التى أحل ضيفا بها، فلم أجد الأمن يعلم شيئا عن وجودى وتسبب ذلك فى تعطلى عن الدخول فى ظل أجواء شديدة البرودة فهممت بالمغادرة غاضبا ولكن فى اللحظة الأخيرة وجدت محمد يهرع إلى باب القناة ويعتذر عن سوء التنسيق من قبل الفريق المسئول عن التصريحات الأمنية فى القناة، ثم انتحى بى جانبا وقال لى كلاما يعبر عن أصل هذا الشخص وتواضعه، حيث قال ما يهمنى ليس أن تقلع عن فكرة الظهور معنا فهذا حقك لو أردت المغادرة، ولكن ما يهمنى هو ألا تظن أن ما حدث استهتار بك، هو فقط سوء تنسيق، وأخد فى تكرار الاعتذار رغم أنها ليست وظيفته ولا خطأ منه، ولكنه نبل إنسان يعرف ويقدر قيمة البشر بغض النظر عن تأثر عمله أو ضياع أحد ضيوف حلقاته!
• • •
منذ بضع سنوات قبل ظهور محمد على صفحته على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» كما لم يرد على بعض رسائلى رغم أنه كان يفعل ذلك مهما كانت مشغوليته، ظننت أنها زحمة الحياة، لكن بعد فترة عرفت من محمد السبب، فقد أصابه مرض السرطان فانشغل كثيرا فى رحلة علاجية طويلة لاكتشاف أفضل سبل وبروتوكولات العلاج!
عبر سنوات المرض لم ييأس محمد، بل واصل الأخذ بكل السبل والأسباب للعلاج، والأهم من ذلك أنه لم ينسَ الأديب الذى بداخله حتى فى أشد مراحل المرض ألما، فأخذ يشارك قراءه ومتابعيه خطوة بخطوة كل مراحل العلاج، ولكن بشكل أدبى بديع يعكس معانى وخبرات الحياة بكل تقلباتها، معانى الألم والرضا والصبر والحزن والخوف والأمل وغيرها من مشاعر مختلفة تتعلق بالحياة والقدر وما قد تخبئه لنا الأيام!
يتحدث محمد عن صلابة إسراء زوجته فى محنته وعن دعم الأهل والأصدقاء، وعن ثقافة الأطباء فى إنجلترا والولايات المتحدة، وعن خيارات العلاج التى بعضها لا يخرج عن كونه «تجريبيا»، يتحدث عن أمه وأبيه وإخوته، وعن أقارب إسراء زوجته حيث يمرون هم الآخرون بمحنة من محن الزمان وتقلباته! مع كل كتابة لمحمد أشعر بأننى أمام مشروع لكتاب منفصل عن الحياة، وسعدت كثيرا حينما قرأت على صفحات «الشروق» عن صدور كتاب لمحمد أبوالغيط قريبا عن دار الشروق تحت عنوان «أنا قادم أيها الضوء» من تحرير الكاتب الصحفى والصديق العزيز أحمد سمير. لا أعلم شيئا عن محتوى الكتاب بعد، ولكنى أثق أنه سيكون تحفة أدبية عن رحلة الحياة كما يكتبها محمد ببلاغة وعمق وصدق شديد على صفحات التواصل الاجتماعى، وفى انتظار قراءة الكتاب فور صدوره إن شاء الله.
الأسبوع الماضى ألقى محمد كلمة قصيرة على هامش تكريمه من منتدى مصر للإعلام، حيث طالب الحضور بالدعاء والصلاة له من أجل الشفاء، ولا أملك هنا إلا دعوة القراء إلى اقتناء كتابه القادم والصلاة له فى المساجد والكنائس وجميع دور العبادة من أجل الشفاء.
أستاذ مساعد للعلاقات الدولية ــ جامعة دنفر