في ظل الحرب الدائرة في غزة.. تزداد وتيرة العنف في رام الله
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الأحد 3 ديسمبر 2023 - 6:45 م
بتوقيت القاهرة
فى وسط رام الله، لا تشعر بالحرب، لكننا نتمنى لكم الحظ إذا نجحتم فى العثور على مكان لركن سيارتكم هناك. أمّا فى ضواحى رام الله، فالشعور بالحرب واضح جدا. قائمة الشوارع المغلقة، والطرقات التى تم قفل الشوارع المفضية إليها ببوابات حديدية صفراء، هى قائمة طويلة جدا. لكن ما تم إغلاقه حول رام الله لا يقتصر فقط على كثير من الشوارع، كما لا يقتصر على أماكن العمل، بعد وقف دخول العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل. لقد قُتل حول رام الله، وفى وسطها أيضا، كثيرون من الناس منذ اندلاع الحرب، أكثر بكثير من الأوقات العادية.
تفيد المعطيات المتوافرة لدى إياد حداد، الباحث الميدانى فى جمعية «بتسيلم» فى تلك المنطقة، بأن 31 شخصا قُتلوا هنا خلال أقل من شهرين. لكن، على عكس منطقة طولكرم حيث كانت أغلبية القتلى من المسلحين، فإن الضحايا هنا، فى أغلبيتهم، لم يحملوا سلاحا، ولم يُقتلوا خلال عمل مقاوم. تفيد تقديرات حداد بأن ستة من هؤلاء قُتلوا، على ما يبدو، برصاص المستوطنين، أو برصاص المستوطنين والجنود معا. الحادثة الأخيرة فى هذا السياق تم تسجيلها عشية السبت الماضى، إذ تم العثور على جثمان فلسطينى بجانب مستوطنة «بساغوت» فى ظروف لم تتضح بعد. لدى إياد حداد فى مكتبه الكائن فى مدينة البيرة، مجلد سميك، يحتوى على توثيق للأبحاث المتعلقة بجميع حالات القتل منذ اندلاع الحرب فى غزة. وهذا المجلد آخذ فى التضخم يوما بعد يوم.
محافظة رام الله تنزف، حالها كحال الضفة الغربية بأكملها، الدم فى ظل الحرب فى غزة، وبعيدا عن أنظار الجميع. هنا يمكنكم العثور على كثير جدا من البؤر الاستيطانية والمستوطنات، الأمر الذى يؤدى إلى تفاقُم العنف. وهنا أيضا، كما هى الحال فى أى مكان آخر فى الضفة، فإن أصابع الجنود على زناد أسلحتهم، منذ السابع من أكتوبر، باتت أسرع بكثير من أى وقت مضى. هذه هى الحال فى الحرب.
• • •
يقول الباحث الميدانى حداد إن معظم حالات القتل التى وثّقها كانت من دون سبب واضح. فمثلا، فى الحالة التى حدثت فى اليوم التالى للمجزرة فى «غلاف غزة»، أى فى الثامن من أكتوبر: قام ياسر الكسبة، وهو شاب يبلغ من العمر 18 عاما، من مخيم قلنديا للاجئين، برمى عبوة مصنوعة من كوكتيل المولوتوف فى اتجاه البرج الأسمنتى المحصّن فى حاجز قلنديا. انفجرت الزجاجة، خرج منها الدخان، ولم تتسبب بأى أضرار. فرّ الكسبة من المكان، وبعدها أطلق الجنود النار عليه وأصابوه فى ظهره، من فوق البرج المحصّن الذى كانوا يكمنون فيه. سقط الكسبة مضرجا بدمه. جرى إطلاق النار هذا أمام كاميرا شبكة «الحرة» الأمريكية فى بث حى. تم إجلاء الشاب من الموقع على يد أصدقائه، وأُدخل فى سيارة، جرى هذا أيضا فى بث مباشر. وسرعان ما لفظ أنفاسه.
بعد ذلك بأقل من ساعة، كان المشهد لا يصدّق فى المكان نفسه، حسبما يُظهر الفيديو الذى يوثّق الحادثة: كانت الساعة 9:15 مساء، وكانت السيارات تمر فى الشارع، قبالة مجموعة من عناصر حرس الحدود الإسرائيلى، الواقف على أحد الأرصفة. ومن دون أى سبب محدد، فتح العناصر وابلا من نيران أسلحتهم على إحدى السيارات التى أصيبت بعشرات الأعيرة النارية. وحين اقتربت السيارة التالية، كرر العناصر فعلتهم مجددا. واصلت السيارتان طريقهما، إلى أن اصطدمتا بجدار الفصل. قُتل فى السيارة الأولى محمد حميّد، من قرية بيت عنان، وكان يبلغ من العمر 25 عاما، وقُتل فى السيارة الثانية أمجد خضير، الذى كان يبلغ من العمر 36 عاما، أمّا أخوه الذى كان جالسا إلى جانبه، فأصيب بجروح.
فى صبيحة التاسع من نوفمبر، جاءت قوات من الجيش الإسرائيلى لتنفيذ حملة اعتقالات فى مخيم الأمعرى الواقع فى مداخل رام الله. فانتشر القناصون على السطوح، وأطلقوا النار فى اتجاه كل مَن يتحرك فى الشوارع. أصيب عدد من المواطنين، وعندما حلّ الصباح، وبدأ العمال بالانطلاق إلى أعمالهم، أصيبت سيدة فى ساقها بالرصاص، أما مهند جاد الحق، الذى كان يقف مع مجموعة من العمال فى الشارع، فحاول استراق النظر، فأصيب بالرصاص وقُتل. وتركت القوة خلفها سبعة مصابين آخرين.
• • •
هذا الأسبوع أيضا، قمنا بزيارة للضواحى الغربية لمدينة رام الله، حيث بلدة بيتونيا. فى منزل مكون من طبقات، وفيه مصعد، مبنى بورجوازى مؤلف من 3 طبقات. هنا كبر الفتى صهيب الصوص، البالغ من العمر 15 عاما، وهو ابن إياد الصوص، موظف رفيع فى شركة المياه الفلسطينية ويبلغ من العمر 48 عاما، وزوجته، سعيدة، ربة منزل، تبلغ من العمر 45 عاما. فى تاريخ 20 أكتوبر، قامت قوة عسكرية كبيرة بالانتقال من معسكر «عوفر» القريب من البلدة، فى اتجاه رام الله. تكونت القافلة العسكرية من 15 سيارة. فى المرة الأولى، عبرت القافلة بلدة بيتونيا فى الساعة الرابعة فجرا، حيث توجهت إلى رام الله، ونفّذت عمليات اعتقال، وعادت فى اتجاه عوفر. فى التاسعة صباحا، عادت القوة فى جولة إضافية.
انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعى أنباء اقتحام القوة. وقد سمع الفتى صهيب خبر الجولة الثانية للقوة، ونزل إلى الشارع ليرى ما يحدث. وانتظر مع صديقه عودة القوة العسكرية. قام الشبان بقذف الحجارة على السيارة الأولى من القافلة العسكرية. ثم قام أحد الجنود بفتح باب سيارة الجيب وأردى صهيب. بعد ذلك، أظهر مقطع فيديو الفتى صهيب وهو يركض مع شابين آخرين فى الشارع مسافة تبلغ نحو 100 متر، كان صهيب يضع كفه على الجهة اليمنى من صدره، حيث أصيب، إلى أن انهار وسقط على ظهره، والدم يقطر من صدره.
سمع الأب إياد إطلاق النار من المنزل. كانت الساعة، آنذاك، 9:40 صباحا. لدى إياد وزوجته 4 أطفال. كان صهيب طالبا فى الصف العاشر فى مدرسة عين منجد فى بيتونيا. وعلى إحدى شبكات التواصل الاجتماعى، رأى الأب سؤالا كتبه ابنه «أين الجنود؟». شعر الأب، فى قلبه، بأن أمرا ما، سيئا، سيحدث. قام بالاتصال بصهيب عدة مرات، ولم يتلقّ أى رد. ثم رأى على تطبيق تيليجرام، مصدوما، صهيب ممددا فى الشارع، غارقا فى دمه. وقد قال الناطق بلسان الجيش هذا الأسبوع، ردا على سؤال «هاآرتس»: «قامت قوات الجيش الإسرائيلى بتاريخ 20 أكتوبر باعتقال مطلوب فى قرية عين مصباح. ولدى عودتها، عبر قرية بيتونيا، اندلعت أعمال شغب عنيفة. ردت القوة باستخدام وسائل تفريق التظاهرات والرصاص الحى من أجل تفريق التجمع المثير للشغب ووقعت إصابة. ولا تزال ملابسات القضية فى قيد التحقيق».
انطلق الأب مسرعا إلى الشارع. اتصل به أحد الجيران ليقول له إن ابنه مصاب بجروح طفيفة. نُقل الصبى إلى عيادة بيتونيا، ثم إلى مستشفى رام الله. وعندما وصل الأب، كان ابنه فى غرفة العمليات. حيث خضع لعمليتين، لكنه توفى متأثرا بجروحه فى المساء. كان طفلا هادئا وانطوائيا، ويحب مساعدة الآخرين، حسبما قال أبوه لـ«هاآرتس». بعد أن قُتل الفتى، لم يوافق زملاؤه فى الصف على العودة إلى الدراسة، ولم يتم إقناعهم بالعودة إلى الدراسة، إلا بعد إرسال عاملين اجتماعيَين إلى المدرسة لإقناعهم بالعودة إلى روتين حياتهم، بعد جهود استمرت أسبوعين.
جدعون ليفى صحفى هاآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية