زمن الإعلانات الدستورية وتحصين القرارات
عماد أبو غازي
آخر تحديث:
الجمعة 4 يناير 2013 - 9:00 ص
بتوقيت القاهرة
عندما قام الضباط الأحرار بحركتهم فى 23 يوليو 1952 كان البرلمان معطلا والأحكام العرفية معلنة منذ حريق القاهرة فى 26 يناير 1952، وكان على النظام الجديد بعد عزل فاروق فى 26 يوليو أن يحدد موقفه من دعوة البرلمان للاجتماع وفقا لأحكام الدستور، كان الساسة ورجال القانون الذين تعاونوا مع ضباط يوليو من أمثال على ماهر والسنهورى وسليمان حافظ من خصوم الوفد التاريخيين، ولما كان حزب الوفد يحوز على الأغلبية الساحقة فى البرلمان، فقد سعوا إلى إقناع القادة الجدد بعدم دعوة البرلمان للانعقاد، وفى سبيل ذلك ضحوا بالدستور، دستور 23، الذى كان محلا لاجماع شعبى قبل انقلاب يوليو
وبدأت مسيرة هدم النظام الدستورى يوم 13 نوفمبر الذى يوافق ذكرى عيد الجهاد الوطنى، فقد شهد ذلك اليوم صدور مرسوم يحمى قرارات القائد العام وتدابيره من الطعن لمدة ستة أشهر.
ودخل على ماهر على الخط ليمهد لإلغاء الدستور فى محاضرة له فى 14 نوفمبر 1952 عندما قال: «إنه يرجو أن نواجه حياتنا السياسية بدستور يتجنب تخلف دستور سنة 1923 عن مواكبة الديمقراطية الحرة وتطورها»، وأكد أن دستور سنة 1923 قام على المبادئ التى كانت سائدة فى القرن التاسع عشر ولم يعد صالحا للبقاء فى العصر الحديث.
بالفعل أعلن محمد نجيب فى 10 ديسمبر 1952 سقوط دستور 23 فى بيان جاء فيه: «إنه أصبح لزاما أن تغيير الأوضاع التى كادت تودى بالبلاد والتى كان سندها دستور سنة 1923»، كما أشار البيان إلى أنه «لا مناص من أن نستبدل بذلك الدستور دستورا آخر جديدا يمكن للأمة أن تصل إلى أهدافها حتى تكون بحق مصدر السلطات»، وأعلن نجيب الذى كان يجمع بين رئاسة مجلس قيادة الثورة ورئاسة الحكومة إلى أن الحكومة بصدد تشكيل لجنة لوضع الدستور الجديد للبلاد.
وفى 13 يناير سنة 1953 صدر مرسوم بتأليف لجنة من خمسين عضوا لوضع مشروع دستور جديد للبلاد يتفق وأهداف «الثورة».
ضمت اللجنة بين أعضائها ممثلين لمختلف الأحزاب والاتجاهات والطوائف الدينية فى مصر، فضمت ممثلين لأحزاب الوفد والأحرار الدستوريين والسعديين وللحزب الوطنى والحزب الوطنى الجديد وحزب الكتلة والحزب الاشتراكى، كما ضمت ثلاثة من رؤساء الهيئات القضائية هم: المستشار أحمد محمد حسن رئيس محكمة النقض، والدكتور عبدالرزاق السنهورى رئيس مجلس الدولة والشيخ حسن مأمون رئيس المحكمة العليا الشرعية، ومن رجال الدين: الشيخ عبدالرحمن تاج والشيخ محمد الأودن والأنبا يؤنس، كذلك كان من بين أعضائها ثلاثة من رجال الجيش والمتقاعدين، وكان من بين أعضاء اللجنة الدكتور طه حسين وأحمد لطفى السيد وعبدالرحمن الرافعى وفكرى أباظة والدكتور عبدالرحمن بدوى، ومن الطريف من بين أعضاء اللجنة اللجنة ثلاثة من أعضاء اللجنة التى وضعت دستور 1923، وهم: على ماهر ومحمد على علوبة وعلى المنزلاوى.
وبعد تشكيل اللجنة بأربعة أيام أصدر مجلس قيادة الثورة قرارا بإعلان فترة انتقالية لمدة ثلاث سنوات تنتهى فى 16 يناير سنة 1956، وفى اليوم التالى صدر مرسوم بحل الأحزاب السياسية، وقرار بحل الأحزاب السياسية ومصادرة جميع أموالها لصالح الشعب ما عدا جماعة الإخوان المسلمين التى كانت تساند النظام الجديد وتدعم قراراته، وقد صدر قرار حلها بعدها بعام فى يناير 1954، وفى نفس اليوم أى 18 يناير 1953 صدر مرسوم بقانون بتحصين القرارات والتدابير التى يتخذها القائد العام للقوات المسلحة باعتباره رئيس حركة الجيش بقصد حماية الحركة والنظام القائم باعتبارها من اعمال السيادة، وذلك لمدة عام بدلا من ستة أشهر.
اجتمعت اللجنة عقب تشكيلها وانتخبت على ماهر رئيسا لها، كما شكلت لجنة فرعية من خمسة عشر عضوا لوضع الخطوط الرئيسية للدستور، وانتخبت اللجنة من بين أعضائها لجنة خماسية لبحث نظام الحكم المقترح، وهل يكون نظاما ملكيا أم نظام جمهوريا؟ ليتم وضع الدستور من البداية على أسس واضحة، وتشكلت هذه اللجنة من: عبدالرزاق السنهورى وعبدالرحمن الرافعى ومكرم عبيد والسيد صبرى وعثمان خليل عثمان. انتهت اللجنة بإجماع آراء أعضائها إلى اختيار النظام الجمهورى، على أن يتم استفتاء الشعب على هذا الاختيار، ووضعت تقريرا مفصلا ضمنته مبررات قرارها، استعرضت فيه أصل النظام الملكى فى العالم وتحوله إلى ملكيات دستورية، وتطور نظام الحكم الحديث فى مصر، وناقشت وجهات نظر أنصار النظام الملكى وأنصار النظام الجمهورى، وفندت أسانيد أنصار الملكية، وانتهت إلى قرارها الذى جاء فيه: «رأت اللجنة باجماع الآراء ترك النظام الملكى والأخذ بالنظام الجمهورى، ويسرها أن تلتقى فى هذه النتيجة مع ما تحس أنه الاتجاه الشعبى الواضح، على أنها ترى مع ذلك استفتاء الشعب للتعرف على رأيه فى هذه المسألة الجوهرية، التى هى أقرب إلى أن تكون مسألة شعبية تتعلق بالشعور، على أن تكون مسألة فنية تتعلق بالدستور». وكانت الصحف قد بدأت بالفعل تناقش فكرة إلغاء النظام الملكى وإعلان الجمهورية، وبات واضحا أن هناك تيارا متصاعدا يؤيد الجمهورية. لكن الشعب لم يستفت فى الأمر، ففى 18 يونيو 1953 قرر مجلس قيادة الثورة إلغاء النظام الملكى وإنهاء حكم أسرة محمد على وإعلان الجمهورية، على أن يتولى محمد نجيب رئاستها، ويكون للشعب الكلمة الأخيرة فى نوع الجمهورية واختيار شخص الرئيس عند إقرار الدستور الجديد.
وفى 10 فبراير سنة 1953أصدر القائد العام للقوات المسلحة قائد ثورة الجيش إعلانا دستوريا ينظم إدارة البلاد فى المرحلة الانتقالية، ونص الإعلان على أن يتولى قائد الثورة ومجلس قيادتها أعمال السيادة العليا وبصفة خاصة التدابير التى يراها لازمة لحماية الثورة والنظام القائم عليها لتحقيق أهدافها، كما نص على حقه فى تعيين الحكومة وعزلها، وعلى تشكيل مؤتمر من مجلس الثورة ومجلس الوزراء ينظر فى السياسة العامة للدولة، ليبدأ بذلك عصر الإعلانات الدستورية والقرارات المحصنة