نشرت صحيفة جيروزاليم بوست مقالا للكاتب مارك ريجيف، تناول فيه أهداف عمليات إسرائيل العسكرية ضد سوريا، ورسائلها السياسية من هذه الهجمات للنظامين السورى والإيرانى.. نعرض منهما يلى.أصبحت التقارير عن الضربات الإسرائيلية ضد أهداف فى سوريا أمرًا متكررًا وروتينيًا. فقبل أسبوعين، أعلنت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن طائرات حربية إسرائيلية تحلق فوق الجولان نفذت غارة بالقرب من مطار دمشق الدولى، بعد وصول رحلة شحن عسكرية من إيران.
جاء هذا الهجوم فى أعقاب غارة مزعومة لسلاح الجو الإسرائيلى فى 7 ديسمبر 2021 على مستودعات الذخيرة فى ميناء اللاذقية السورى، فى محاولة من إسرائيل لمنع نقل الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله فى لبنان.
قبل أسبوعين أيضًا: ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن الغارات الجوية الإسرائيلية فى 8 يونيو 2021 بالقرب من حمص ودمشق كانت تهدف إلى وقف «محاولة ناشئة من قبل سوريا لاستئناف إنتاجها من غازات الأعصاب القاتلة»، واسترشدت بمعلومات استخبارية تفيد بأن نظام الرئيس السورى بشار الأسد كان يعيد تشكيل برنامج أسلحته الكيماوية، فى انتهاك لالتزام سوريا لعام 2014 تجاه الرئيس الأمريكى آنذاك باراك أوباما والرئيس الروسى فلاديمير بوتين.
على عكس هذا الواقع، كان يقول سكان الجولان الإسرائيليين أن الحدود الإسرائيلية السورية ذات يوم كانت أهدأ مكان بالنسبة لهم.. حتى فى المواجهات التى تبادل فيها الجيشان الإسرائيلى والسورى الضربات القاتلة، كما كان الحال خلال حرب لبنان الأولى عام 1982، لم يكن أى من الطرفين مهتمًا بخرق الاستقرار على حدود الجولان. وبالمثل، فإن الهجوم الإسرائيلى عام 2007 الذى دمر مفاعل دير الزور النووى السورى السرى لم يؤد إلى تصعيد عسكرى.
لكن اليوم، وبالرغم من أن كلا من القدس ودمشق ملتزمتان رسميًا باتفاقية فك الاشتباك المبرمة عام 1974 بعد انتهاء حرب أكتوبر 1973، فإن الحقائق قد تطورت. بعبارة أخرى، أدى اندلاع الحرب الأهلية السورية فى عام 2011، وخاصة انتشار حزب الله وإيران فى سوريا منذ عام 2013، إلى تغيير سلوك إسرائيل.
فتقارير صادرة عن المرصد السورى لحقوق الإنسان وثقت أن إسرائيل هاجمت حتى الآن سوريا 28 مرة. وبحسب المرصد السورى لحقوق الإنسان، فقد أصابت ضربات الجيش الإسرائيلى «الجوية والصاروخية» فى عام 2021 نحو 70 هدفا، بما فى ذلك الهجمات على المقرات والمستودعات والمنشآت العسكرية، وقتلت أكثر من 120 شخصا.
على كلٍ، يمكن النظر إلى عمليات جيش الدفاع الإسرائيلى فى سوريا على أنها تعزز أربعة أهداف عملياتية أساسية.
أولا، إسرائيل عازمة على إحباط نقل الأسلحة الإيرانية عبر سوريا إلى حزب الله فى لبنان. كما تسعى إسرائيل بشكل خاص إلى تفادى عبور الأسلحة النوعية التى يمكن اعتبارها عوامل تغيير قواعد اللعبة، مما يخل سلبًا بالتوازن بين إسرائيل وحزب الله.
ثانيًا، من الواضح أن إسرائيل قد عززت من مخاوفها بشأن التطورات فى جنوب سوريا فى المنطقة القريبة من الحدود المشتركة. وعليه، فإن الجيش الإسرائيلى يمنع بناء قدرات إرهابية لحزب الله ــ إيران فى الجولان السورى والمناطق المجاورة.
ثالثًا، تتخذ إسرائيل إجراءات استباقية لمنع سوريا من تطوير قدرات عسكرية غير تقليدية. لقد فعلت إسرائيل ذلك فى الماضى ضد البرنامج النووى للنظام السورى فى دير الزور، ووفقًا لصحيفة واشنطن بوست، ردت إسرائيل مؤخرًا على محاولة إعادة إنشاء ترسانة كيميائية سورية.
أخيرًا، ترفض إسرائيل الرضوخ لمحاولة إيران تحويل سوريا إلى تابع عسكرى لها، وهو موقف متقدم لمخططات طهران العدائية ضد الدولة اليهودية. وترى إسرائيل التعزيز العسكرى الإيرانى على أنه استفزاز لذلك تشن ضربات ضد سوريا من أجل إضعاف القدرات الإيرانية.
لكن فهم السياسة الإسرائيلية فى سوريا يتطلب أكثر من تفسير عسكرى بحت.
خبراء الأمن القومى الذين يعرفون الاستراتيجى البروسى كارل فون كلاوزفيتز الذى عاش فى القرن التاسع عشر يعرفون مقولته بأن «الحرب هى استمرار للسياسة بوسائل أخرى»، والعمليات العسكرية الإسرائيلية فى سوريا مصممة بالفعل لإرسال رسائل سياسية واقعية إلى كل من إيران وسوريا.
مفاد الرسالة لإيران أن إسرائيل تريد من إيران أن تفهم أنه طالما بقيت قواتها فى سوريا، فإنها ستواجه هجمات الجيش الإسرائيلى، وكذلك حزب الله والميليشيات الأخرى المتحالفة معها. ستُضرب القوات الإيرانية وتُهدم معداتهم وتُدمر منشآتهم. وستواصل إسرائيل الضغط من خلال الاستنزاف اللامتناهى، وبذلك تمنع طهران من إنجاز توسعها العسكرى المخطط له.
ومع ذلك، الأمر لا يتعلق فقط بحرمان إيران من تحقيق أهدافها الاستراتيجية، بل سيتطلب استمرار تورط إيران فى سوريا أيضًا تكلفة متزايدة من الدماء والأموال، وهو ثمن لن تتحمله طهران.
أما الرسالة الإسرائيلية إلى الرئيس السورى بشار الأسد فهى قوية بنفس القدر. فعلى الرغم من تنبؤات الكثيرين بأن بشار الأسد انتصر فى الحرب الأهلية، إلا أنه لن يتمكن من التمتع بـ «ثمار النصر» مع عدم وجود سلام وهدوء لسوريا، وهذا إذا احتفظت إيران بوجودها العسكرى لأن إسرائيل لن تسمح بذلك.
علاوة على ذلك، لن يكون بلد الأسد الذى مزقته الحرب قادرًا على حشد الدعم المالى الدولى لإعادة الإعمار التى تشتد الحاجة إليها، فإن كرم العالم العربى مقيد بالفعل بسبب الارتباط العسكرى لسوريا مع إيران.
خلاصة القول، هناك اقتراح ساخر للرئيس السورى بشار الأسد: ليقم بتنظيم حفل نصر فى دمشق. يجعل الإيرانيين وحزب الله يسيرون فى العاصمة بأرقى بزاتهم. ويشكرهم على جهودهم فى دعم نظامه، ويمنحهم ميداليات لمهمة أنجزت بنجاح، ثم يرسلهم إلى أوطانهم!.
إعداد: ياسمين عبداللطيف زردالنص الأصلى: