فى تقريرها السنوى الذى يترقب ما سيحمله عام 2022، حددت «مجموعة الأزمات الدولية» عشرة نزاعات تستحق المتابعة، يعرض منها موقع 180 ثلاثة نزاعات فى منطقة الشرق الأوسط وكيف يمكن أن تتطور هذا العام كما يلى. الصراع الفلسطينى ــ الإسرائيلى.. المطلوب حلول واقعية
يشير التقرير إلى الحرب التى شهدها عام 2021 بين قطاع غزة وإسرائيل، والتى تعد الرابعة خلال ما يزيد قليلا عن عقد من الزمن، والأعنف والأكثر خطورة طوال تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى. أوضحت الحرب مرة أخرى أن عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ميتة وأن احتمال تنفيذ حل الدولتين يبدو اليوم أقل من أى وقت مضى. كانت القدس الشرقية المحتلة هى نقطة تفجير المواجهات الأخيرة. فقد تزامنت الإجراءات التعسفية التى مارستها الحكومة الإسرائيلية، فى أبريل 2021، من أجل تنفيذ مخططها «إخلاء حى الشيخ جرَّاح من سكانه الفلسطينيين» مع المواجهات العنيفة التى جرت خلال شهر رمضان فى مجمع الحرم القدسى الشريف بين شبّان فلسطينيين وبين عناصر شرطة الاحتلال، أدى ذلك إلى سلسلة من ردود الفعل.
يرى التقرير أن الأحداث الأخيرة حملت تطورات جديدة بمقاييس مختلفة. للمرة الأولى منذ عقود، تتوحد انتفاضة الفلسطينيين فى مناطق الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة وحتى داخل المدن الإسرائيلية نفسها. ومن اللافت للنظر أيضا كان الجدل الذى عمَّ العواصم الغربية، ولا سيما واشنطن. فقد أدان الديموقراطيون القصف الإسرائيلى لغزة، ما يشير إلى أن وجهات نظر الحزب الديموقراطى حول الصراع الفلسطينى الإسرائيلى آخذة فى التطور.
ومع ذلك، لا تزال عناصر الصراع ومسبباته موجودة ومن دون حلول، وفداحة الحرب لم تغير أى شيء من سياسة إسرائيل تجاه قطاع غزة؛ الإبقاء على الحصار الاقتصادى والأمنى واستمرار سياسة القمع والتضييق ضد المدنيين الفلسطينيين. فى الخارج، كانت الحكومات فى معظم العواصم مشدودة الأعصاب لكنها لم تفعل شيئا يُذكر. فبرغم اللهجة الجديدة التى استخدمها الديموقراطيون، اكتفت إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن بالإدعاء أنها تُمارس «دبلوماسية هادئة ومكثفة، لكنها فى الوقت نفسه سمحت للعدوان الإسرائيلى أن يستمر.
كما أن الأشهر التى تلت الحرب الأخيرة لم تجلب ولو بصيص أمل. فى يونيو، أطاح تحالف من خليط متشابك برئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو. فبعد عهد نتنياهو العدوانى، وضعت الحكومة الجديدة «وجها أكثر ليونة» للعلاقات الخارجية لإسرائيل، وأعلنت عن أملها فى «تقليص» الصراع مع الفلسطينيين من خلال تحسين الوضع الاقتصادى داخل الأراضى المحتلة ومنح السلطة الفلسطينية التى تحكم الضفة الغربية بشكل جزئى تعزيزات هامشية. ومع ذلك، ها هى حكومة نفتالى بينيت، تسير على نهج سابقاتها، وتمضى فى سياسة توسيع المستوطنات غير الشرعية وقمع الفلسطينيين أينما وجدوا. حتى أنها ذهبت إلى أبعد من ذلك عندما حظرت عمل ست جمعيات مدنية فلسطينية تُعنى بقضايا حقوق الإنسان، ووجهت إليها تُهمًا بارتكاب أعمال إرهابية.
يشير التقرير إلى أن العام الماضى كان مدعاة لليأس. فالحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تنصلت من كل ما هو مطلوب منها لإنجاح محادثات مشتركة مع الفلسطينيين وبقيت تدعى شعار التفاوض بالاسم فقط. وبدورهم، فقد الفلسطينيون الثقة فى أن التفاوض مع الإسرائيليين سيحقق لهم دولة فلسطين التى يحلمون بها.
أما بالنسبة لتحقيق الهدوء، يضع التقرير شروطا وإجراءات لابد من تحقيقيها مثل: إعلان هدنة طويلة الأمد وفك الحصار عن قطاع غزة، وقف عمليات سلب وطرد الفلسطينيين من منازلهم وأملاكهم فى القدس الشرقية، والعودة إلى الترتيبات السابقة التى تضمن بقاء الأماكن المقدسة هادئة إلى حد ما.
لكن هذه الإجراءات والشروط قد تساعد فقط فى تجنب نشوب حرب جديدة لفترة زمنية. إن استمرار الدبلوماسيين بالتشدق بحل الدولتين يعنى الاستمرار فى منح إسرائيل الغطاء لكى تمضى فى قضم المزيد من أراضى الضفة الغربية بحكم الأمر الواقع. بينما المطلوب الآن هو وضع حد لإفلات إسرائيل من المعاقبة على ما ترتكبه من انتهاكات وممارسات فظيعة بحق الفلسطينيين. بعبارة أخرى، حان الوقت لمعالجة الوضع على الأرض بواقعية.
اليمن.. صراع متعدد الأطراف لن ينتهى
فى العام 2021، غابت حرب اليمن عن عناوين الأخبار، لكن الحرب لا تزال مستعرة، كما يشير التقرير ويمكن أن تصبح أكثر سوءًا.
الحوثيون يحاصرون محافظة مأرب الغنية بالنفط والغاز، وقد حققوا تقدما ملحوظا فى هذه المنطقة الاستراتيجية. ويبدو أن الحوثيين قادرون الآن أن يديروا حملات عديدة وعلى جبهات متعددة فى وقت واحد، ويتصدون للهجمات التى يتعرضون لها بفعالية مع استمالة زعماء القبائل المحليين إلى جانبهم. هم الآن يسيطرون على محافظة «البيضاء» المجاورة لمأرب، وقد شقوا طريقهم فى «شبوة» (أقصى شرق البلاد)، وبالتالى قطعوا خطوط الإمداد عن مأرب. من محافظة مأرب نفسها، بقيت المدينة الرئيسية والمنشآت الهيدروكربونية القريبة فى أيدى حكومة الرئيس عبدربه منصور هادى، المُعترف به دوليا.
إذا سقطت هذه المواقع، فسيكون ذلك بمثابة تغيير جذرى فى الحرب اليمنية. سيحقق الحوثيون انتصارا اقتصاديا وعسكريا. ومع استيلائهم على النفط والغاز فى مأرب، سيتمكن الحوثيون من خفض أسعار الوقود والكهرباء فى المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وبالتالى تعزيز صورتهم كسلطة حاكمة تستحق الشرعية الدولية. من المرجح أن تنذر خسارة مأرب، آخر معقل لحكومة هادى فى الشمال، بالزوال السياسى للرئيس هادى.
بعض اليمنيين المنحازين إلى هادى بدأوا يتهامسون حول إمكانية استبداله بمجلس رئاسى. ومن شأن ذلك أن يقوّض الدعم الدولى لحكومة هادى، وهذا بالتالى سيعزز على الأرجح مقاومة الحوثيين لمحادثات السلام.
ومع ذلك، يرى التقرير أن فوز الحوثيين لن يعنى نهاية الحرب فى اليمن. فى جنوب اليمن، ستواصل الفصائل المناهضة للحوثيين القتال حتى من خارج تحالف هادى. فى المقابل، من المرجح أن يختار الحوثيون الاستمرار فى القتال وشن الهجمات عبر الحدود، خصوصا وأنهم يرون فى الحرب فرصة لتحريض قواتهم القومية ضد السعودية التى تدعم الهادى بالقوة الجوية.
يحتاج مبعوث الأمم المتحدة الجديد إلى اليمن، هانز غروندبرغ إلى القيام بأمرين فى وقت واحد. أولا، يجب أن يسعى إلى تفادى شر معركة مأرب من خلال الاستماع لمقترحات الحوثيين والضغط من أجل عرض حكومى مضاد يعكس حقيقة توازن القوى على الأرض اليوم. ثانيا، تحتاج الأمم المتحدة أيضا إلى اتباع نهج جديد لصنع السلام يتجاوز الاكتفاء برعاية محادثات بين طرفين، الحوثيون من جهة وحكومة هادى وداعميها السعوديين من جهة أخرى. حرب اليمن هى صراع متعدد الأطراف، وليست مجرد صراع ثنائى على السلطة؛ وأى أمل فى التوصل إلى تسوية حقيقية يتطلب تحقيقه توفير مقاعد أكثر إلى طاولة أى مفاوضات مستقبلية.
إيران فى مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل
يشير التقرير إلى أنه مع تلاشى الأمل فى إحياء الاتفاق النووى الإيرانى، ثمة تصعيد آخر يلوح فى الأفق.
تولى جو بايدن منصبه مُتعهدا بالعودة إلى الاتفاق النووى. لكن أضاعت إدارة بايدن الوقت فى تحديد موقفها بخصوص من يجب أن يتخذ الخطوة الأولى، ورفضت التجاوب مع إيماءات حسن النوايا الموضوعية. ومع ذلك، أحرزت المحادثات بعض التقدم لبضعة أشهر.
بعد توقف دام خمسة أشهر، عادت إيران إلى طاولة المفاوضات، وقادت صفقة أكثر صعوبة. فى الوقت نفسه، تواصل تسريع عملية التطوير النووى. عندما دخل الاتفاق النووى حيز التنفيذ قبل ست سنوات، كان الوقت الذى تحتاجه إيران لتخصيب ما يكفى من المواد الانشطارية اللازمة لصنع سلاح نووى حوالى 12 شهرا. أما اليوم فهى تحتاج فقط 3 إلى 6 أسابيع لتحقيق غايتها.
من المُرجّح أن يؤدى الفشل فى استعادة الاتفاق أو التوصل لصفقة جديدة خلال الأشهر القليلة المقبلة إلى جعل الاتفاق الأصلى فى خبر كان، بالنظر إلى التقدم التكنولوجى الكبير الذى تحققه إيران. ثمة خيارات:
الخيار الأول، أن يسعى الدبلوماسيون إلى عقد صفقة أكثر شمولا، على الرغم من أن ذلك سيكون بمثابة عبء صعب بالنظر إلى العلاقات غير الودية، بل العدائية التى ستترتب جراء إنهاء الاتفاق الأصلى.
الخيار الثانى، السعى إلى ترتيب مؤقت «القليل ــ مقابل ــ القليل» يحد من استمرار تقدم إيران النووى مقابل تخفيف العقوبات المفروضة عليها.
الخيار الثالث وهو الأكبر والحقيقى يبقى أن المفاوضات مهددة بالانهيار.
يرى التقرير أن انهيار المفاوضات يعنى الكارثة. إيران ستستمر فى تطوير برنامجها النووى بدون عوائق. وسيكون على واشنطن إما أن تقبل إيران كـ«دولة على عتبة النووى» قادرة على صنع قنبلة أو الموافقة مع ما تطرحه إسرائيل والمشاركة فى شن ضربات مركزة تعيق قدرات إيران النووية.
إذا حدث ذلك، من المحتمل أن يندفع قادة إيران نحو التسليح، خصوصا وأنهم يستنيرون حساباتهم من ما حدث مع الزعيم الليبى الراحل معمر القذافى، الذى عندما تنازل عن برنامج أسلحته النووية تمت الإطاحة بنظامه بكل سهولة. وأيضا من ما حدث لزعيم كوريا الشمالية الذى انتزع احترام ترامب لبلاده لأنها مسلحة نوويا.
ومن المرجح أيضا أن تنفس طهران عن غضبها فى مختلف أرجاء منطقة الشرق الأوسط، وستكون العراق ولبنان وسوريا فى مرمى النيران. قد تزيد الحوادث من خطر المواجهة المباشرة بين إيران والولايات المتحدة أو بين إيران وإسرائيل أو مع الحليفين معا، وهو ما يتجنبه الأطراف، ويمكن أن تخرج الخلافات عن السيطرة بسهولة وتتطور إلى صدام حقيقى.
النص الأصلى