من وسائل المس بالنظام الديمقراطى
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الأربعاء 4 يناير 2023 - 9:00 م
بتوقيت القاهرة
تكوين المجالس الاستشارية من قبل أنظمة الحكم أصبح موضة عالمية، وككل موضة فإنها تخضع للإضافات، أو الاجتزاء، أو التشويه المتعمد، أو الاستعمال الانتهازى السياسى كقناع يخفى كل أنواع الأهداف الخفية.
فى معظم بلدان العرب التى تبنت تلك الموضة يوجد فى الأغلب هدفان رئيسيان: الأول هو الإصرار على تساوى سلطة نظام الحكم، التى تهيمن على أعضاء المجلس الاستشارى تعيينا وإنهاء، مع سلطة الشعب، التى تنتخب وتسائل وتجازى، وذلك فيما يختص بالتأثير المباشر وغير المباشر على النظام التشريعى والسلطات التشريعية. فإذا اتخذ البرلمان المنتخب قرارا لا يعجب سلطة نظام الحكم عمدت إلى جعل المجلس الاستشارى يعارض ذلك القرار ويسقطه. وهكذا تبقى سلطات التشريع فى يد سلطة الحكم التنفيذية وتصبح مقولة أن الشعب هو مصدر السلطات نكتة جارحة لما يسمى بالنظام الديمقراطى فى ذلك البلد أو ذاك.
وبالطبع فإن ذلك سيعنى أن القرارات الكبرى، مثل الحرب والسلام، وفرض الضرائب، وتنظيم كل جوانب الحياة المجتمعية وغيرها، هى فى الحقيقة فى يد أقلية مستندة إلى المال أو الوجاهة أو الولاءات الفرعية.
والواقع أنه إذا كان لا بد من وجود جهات علم وخبرة لاستشارتها فلتكن قائمة على أساس صفتها الأساسية: الاستشارة غير الملزمة وغير المنحازة وغير المتلاعب بها، وذلك من خلال تكوين لجان أو مؤسسات من العلماء والاختصاصيين وذوى الخبرة المشهود لهم بالنزاهة والاتزان.
وأما إذا كان لا بد من وجود المجالس الاستشارية شبه البرلمانية، بقصد تحسين العملية الديمقراطية، فإنه لا بد أيضا من وجود نظام يبين نوع القرارات التى لا تنفذ إلا بعد مناقشتها من قبل قوى المجتمع ثم طرحها على الاستفتاء الشعبى الحر الشفاف. عند ذاك نطعم النظام البرلمانى الديمقراطى، أى الديمقراطية الانتخابية غير المباشرة، بنظام الاستفتاءات الشعبية، أى الديمقراطية المباشرة.
نثير هذا الموضوع بعد أن كثر أخذ القرارات المصيرية الكبرى، من مثل المشاركة فى حروب إقليمية، أو التطبيع مع عدو صهيونى تاريخى وجودى، أو تبنى منظومة فكر اقتصادى يؤدى إلى إفقار وتهميش الملايين من الناس، أو التلاعب بالقوانين والحقوق الإنسانية والقيم الأخلاقية، أو التوقيع على معاهدات مشبوهة مع قوى استعمارية معروفة... بعد أن كثر أخذ مثل تلك القرارات دون أن تستشار، البرلمانات المنتخبة والمجالس الاستشارية من جهة، ودون أن تطرح تلك القرارات على الاستفتاءات الشعبية لتكون تلك القرارات الكبرى معبرة عن كل المجتمع، وليس عن قلة فى المجتمع.
نحن نثير هذا الموضوع أيضا من أجل أن يعى شباب وشابات الأمة إحدى صور الممارسات التى يمكن من خلالها وبها أن يتم المساس بالقيم والشروط التى تتأسس عليها الأنظمة الديمقراطية العادلة.
مفكر عربى من البحرين