الذكرى مؤرقة

عزة كامل
عزة كامل

آخر تحديث: الإثنين 4 فبراير 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

صاعدات نحو الحلم المنسى يمسكن بالسحاب ونجمة الغيمة يلتبس الضوء مع العتمة، يتلقفن خيط الأمل الضعيف ويرتقن به بوابة الوطن المغتصب فيقطع عليهن الطغيان طريق النصر.

 

مئات الأجساد المتدافعة والأيادى المتطاولة، صوت الضجة يملأ فضاء الميدان، لا تستطعن أن ترفعن صوتهن ولا أن تتواصلن مع بعضهن البعض، يزداد الصراخ من مكبرات الصوت المعلقة على المنصات، يزداد الناس المحيطون بهن كثافة، حلقة الأجساد تضيق عليهن، أياد تهبش ملابسهن وسكاكين تمزق أجسادهن المرتعشة، تتحرك سيقان فى سراويل ذات أحجام مختلفة تغرز أقدامها فى صدورهن وبطونهن، يصرخن فلا يجيبهن سوى الصمت، وجوههن المحمومة وفمهن المزبد يجعل مغتصبهن يزدادون عنفا وفجرا، يصبحن كأن كل واحدة عجل أو شاة، كل واحدة ذبيحة تنحر ولا يترك لها حق الرفس، ينفخون فيها ويضربون جسمها بالسكاكين وقبضات الغدر. يصبها إغماء عصبى مخيف وعندما ينتهى منها الذئب المتحرش المغتصب يتركها متخشبة على الإسفلت تضرب بساقيها العارية الفراغ الضيق الذى حولها، ويصبح فى داخل عينيها ثمة انكسار، رجفة لا تختفى، كل شيء يبدو غائما، تتمنى أن تأتيها رصاصة من اجل ألا ترى مزيدا من الخسة والعار والحزن والخيبة.

 

•••

 

هذه هى مشاهد ومشاعر الناشطات والفتيات والنساء اللواتى تم التحرش بهن واغتصابهن فى الذكرى الثانية لثورة 25 يناير والتى تم رصدها من مجموعات مختلفة من المناهضين لجرائم التحرش. فقد ذكر بيان «مبادرة شفت تحرش» فى ذكرى 25 يناير (وطوال فترة النهار لم يشهد ميدان التحرير سوى وقائع طفيفة تتعلق بممارسات فردية من قبل بعض الشباب أو الرجال، وباشرت العمل المجموعات التى تضم كافة المبادرات والمنظمات تحت أسم (قوة ضد التحرش ) وقامت بتوزيع الـ(تى شيرتات) على المتطوعات والمتطوعين بالمبادرات والحملات المختلفة والتى كتب عليها من الأمام عبارة (ضد التحرش)،  ومن الخلف عبارة (ميدان أمن للجميع)، ومع دقات الساعة السابعة مساء من يوم الجمعة 25 يناير 2013 شهد ميدان التحرير تدفق أعداد كبيرة من البلطجية والخارجين على القانون الذين أشاعوا الذعر والرعب بكثرة وقائع التحرش الجنسى والتى وصلت فى بعد الحالات إلى محاولات هتك عرض أو محاولات اغتصاب جماعى،  بينما فى الوقت نفسه شهد شارع طلعت حرب واقعة تعدٍ سافر على عدد من الناشطات المصريات ذات التاريخ النضالى الوطنى المشرف، فقد قام عدد من الخارجين على القانون باعتراض طريق عدد من الناشطات أثناء توجههن إلى ميدان التحرير، ولم تكن هذه الواقعة الوحيدة التى شهدها ميدان التحرير فقد أعلنت (قوة ضد التحرش) عن التعامل مع 19 حالة أخرى من بينهم 6 حالات احتجن إلى دعم طبى، بينما تدخلت مجموعة الإنقاذ التابعة لمبادرة (شفت تحرش) فى التعامل مع 4 حالات داخل محطة مترو السادات، وحاله أخرى خلف مسجد عمر مكرم).

 

 وقد أكد بيان المبادرة على أن:

 

التحرش الجنسى ووقائع التعدى على الفتيات والإناث أمر ممنهج وليس عارض، وإنه يجب على القوى الوطنية المحتشدة فى ميدان التحرير والتى تدعو إلى الاعتصام أن تتحمل مسئوليتها الوطنية فى تأمين المتظاهرين ومن العبث بأجساد الفتيات والإناث،  وعلى كل فصيل سياسى أن يلتزم جديا بتأمين أحد مداخل ميدان التحرير من قبل أعضائه وليس من قبل آخرين لضمان حماية المواطنات والمواطنين داخل الميدان والحد من انتشار جرائم العنف الجنسى ومحاولات إرهاب النساء والفتيات، كما أكد البيان على أن ما يحدث ما هو إلا رسائل مبطنة من أجل إرهاب المرأة المصرية لكسر إرادتها وإقصائها عن المشهد السياسى والاجتماعى الذى أصبحت النساء فيه عنصر مهمة لا يقبل التهميش أو الإقصاء.

 

•••

 

وسوف أقدم عبر هذه الصفحة شهادتين لناشطتين من الميدان تعرضتا للتحرش:

 

الشهادة الأولى

 

معرفش وجع أو ألم طلقة رصاصة، بس اعرف وجع وألم مليون إيد جوا بنطلونك، أعرف يعنى ايه مليون أيد تبقى بتشدك فى كل اتجاه عشان تطول حتة منك، أعرف يعنى ايه الواحد يتمنى الموت فى لحظة لأنه مش مستحمل اللى بيحصل وفى نفس الوقت بيتمنى ميغماش عليه عشان مش ضامن هيحصل ايه اكتر من كدا، اعرف يعنى ايه الخوف من ان محدش يكون عارف انت فين ولما يعرفوا، الانكسار الفظيع إلى على وشوش صحابك لأنهم شايفينك وأنت شايفهم بس مش عارفين يطولوك، اعرف يعنى إيه بعد ما تكون فى أمان تتشل رجلك كل ما تقرب على اى زحمة، اعرف الكوابيس اللى بتلحقك، والعجز كل ما بتشوف بنت تانية فى نفس موقفك، اعرف انى اختار آلم الرصاصة فى اى وقت عن آلم التحرش. ١٩ حالة اغتصاب جماعى الجمعة اللى فاتت، ٦ منهم احتاجوا مستشفيات، احنا فى حرب والكل عليه مسئولية ومش هقدر أسامح حد بيختار يتمشى فى التحرير ويتسنكح على قهاوى بدل ما يساعد فى إنقاذ البنات. عددنا مش كبير، لما بنوصل للبنت بيكون خلاص تم انتهاكها بالفعل،  نتمنى الجمعة الجاية نوصلها وهى لسة بخير.

 

•••

 

الشهادة الثانية

 

عندى غضب وقرف شديد تجاه كل بنى آدم عامل نفسه ثورى بس فى نفس الوقت لما نييجى نتكلم عن التحرش يعتبره موضوع تافه ومش من أولياته لأن وراه ثورة، كل ست نزلت التحرير وتعرضت للتحرش ــ الاعتداء الجنسى مش أقل من أى مصاب ثورة بتحطوا صورته فى صورة البروفايل وتعتبروه بطل، كل ست نزلت واتعرضت للاعتداء خاطرت بحياتها وتم استهدافها لمجرد كونها ست، محدش بيحط صورتها فى البروفايل محدش بيتكلم عن ألمها وتضحيتها بالعكس بتقولولها اسكتى متسوئيش سمعة الثورة، كل ست تعرضت للاعتداء لما تروح بيتها مش هيستقبلوها استقبال الابطال، هيخبوا اللى جرالها والشوية اللى عارفين هيكون همهم الاول هى بنت ولا لأ وإزاى يداروا فضيحتها، الفضيحة مش فضيحتنا الفضيحة فضيحتكم انتم والعار عاركم انتم ياللى عاملين فيها ثورجية وبتنادوا بالحرية بس بتقسموها درجة أولى ودرجة تانية، ووقته ومش وقته، أوعوا تفتكروا إن كلامى ده معناه إنى عايزاكم تنزلوا تحمونا، لو انتم مش شايفين حقنا فى التواجد من أولوياتكم فشكرا مش محتاجين منكم حاجة وهنفضل ننزل وندافع عن حقنا ونقاوم محاولات اقصائنا، وزى ما فى افاقين كتير فى برضه ناس جدعان كتير فاهمين إن اللى بقوله ده جزء لا يتجزأ من الثورة، الشهرين اللى فاتوا زى ما ورونى قد ايه الرجالة ممكن تكون كائنات مقرفة وبشعة ورونى كمان إنه برضه فى رجالة محترمة ومؤمنة بحقى فى التواجد وبيدافعوا عنه مش عشان أنا ست ضعيفة ومحتاجة حماية وإنما عشان مبادئهم مبتتجزأش.

 

•••

 

هل يكفى اعتذار العالم لهؤلاء الفتيات والنساء.. هل يكفى أن نغض الطرف هل يكفى أن تتعامل القوى السياسية جميعها بمنطق أنها لا ترى أو تسمع هذه الاعتداءات والانتهاكات التى تحدث لنساء وبنات الوطن؟!!

 

 

 

ناشطة نسوية ومديرة مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved