الحاجة ماسة إلى إحياء المبادرة العربية للسلام

سيد قاسم المصري
سيد قاسم المصري

آخر تحديث: الأربعاء 5 فبراير 2020 - 1:42 ص بتوقيت القاهرة

فى منتصف الستينيات من القرن الماضى تزاملت مع عمرو موسى فى بعثتنا الدائمة لدى الأمم المتحدة التى كانت برئاسة الدكتور محمد حسن الزيات، وكان الدكتور الزيات رحمه الله يقول إن هناك أربعة حلول للقضية الفلسطينية لا خامس لهم وهى:
ــ الحل الأول: هو حل الدولة الصهيونية: الذى تقام بموجبه دولة يهودية صهيونية على كامل أرض فلسطين، وهو حل مستحيل لأنه يستوجب التخلص من معظم الفلسطينيين.
ــ والثانى: هو حل الدولة العربية: وهو الذى تقام بموجبه دولة عربية خالصة من البحر إلى النهر وهو أيضا مستحيل.
ــ والثالث: هو حل الدولتين فلسطينية وإسرائيلية يعيشان جنبا إلى جنب فى سلام.
ــ والرابع: هو حل الدولة الواحدة العلمانية التى يتمتع فيها المواطنون الفلسطينيون واليهود بحقوق متساوية.. (وهذا هو الحل الذى كانت تتمناه منظمة التحرير الفلسطينية قبل اتفاق أوسلو).
وفى الواقع أنهما حلان اثنان لا ثالث لهما.. إما الدولتين كاملتى السيادة وإما الدولة الواحدة متساوية المواطنين.. وعلينا أن نطرح ذلك فى أى مسار قادم للتفاوض.
***
وفى الحوار الذى أجرته صحيفة المصرى اليوم بشأن ما يسمى «صفقة القرن»، قال السيد عمرو موسى إن هذه «الصفقة» لا تعدو أن تكون اقتراحا أمريكيا إسرائيليا مشتركا ولا يجب أن نعتبره «إنذارا نهائيا يقبل أو يرفض دون تفاوض»، وأنه «شأن المبادرة العربية التى كانت وما زالت موقفا عربيا قابلا للتفاوض» ومن ثم فإن الوثيقتين تمثلان سويا أساسا لعملية تفاوض نشطة يجب أن تنطلق فورا.
وطالب السيد موسى أن يكون هذا المسار التفاوضى تحت رعاية الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن والرباعية الدولية التى تتكون من أمريكا وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى وعلى أن تشارك مصر والأردن باعتبارهما من دول الجوار وطبعا طرفى النزاع.. الفلسطينيين والإسرائيليين.. واعتبر عمرو موسى أن الطرح الأمريكى والإسرائيلى المسمى صفقة القرن هو رد متأخر على المبادرة العربية لعام 2002.
***
ولقد تم تأكيد المبادرة العربية بقرار مجلس جامعة الدول العربية الأخير الصادر يوم أول فبراير الحالى وهو القرار الذى تضمن رفض ما يسمى صفقة القرن ووصفها بأنها انتكاسة لجهود السلام وليست خطة لإحلال السلام وأكد محورية القضية الفلسطينية بالنسبة للأمة العربية وجميع الثوابت المتعلقة بالموقف العربى.. وأعاد التمسك بالسلام كخيار استراتيجى وتأكيد المبادرة العربية باعتبارها تمثل الحد الأدنى لتحقيق السلام.
***
والجدير بالذكر أن الحكومة الإسرائيلية فى عهد أريل شارون رفضت المبادرة العربية ثم بعد ذلك لاقت ترحيبا حذرا من إيهود أولمرت فى عام 2007 ثم قبولا واضحا من شيمون بيريز عام 2009، وحتى نتنياهو سبق أن عبر عن تأييده المبدئى لهذه المبادرة قائلا أنه يقبل الفكرة العامة مع بعض التحفظات.. لذلك فإحياء المبادرة العربية الآن وطرحها كبديل والمطالبة بمسار تفاوضى بالضمانات الكافية هو أفضل خياراتنا.
لقد تطور الموقف العربى عبر السنين آخذا مسار الاعتدال حتى وصلنا إلى هذه المبادرة، بينما أخذ الموقف الإسرائيلى طريقا عكسيا مستغلا الرفض العربى السلبى حتى وصل إلى تبنى أقصى مطالب الجناح الصهيونى المتطرف المدعوم بغلاة المستوطنين.. لذلك فإننى على يقين من أن الرفض العربى هو ما تتمناه إسرائيل وأن التقدم باقتراح بديل سيغير كل الموازين.
***
والخلاصة أن ما حدث لا يعدو أن يكون إعلانا لموقف إسرائيلى تدعمه الولايات المتحدة، وبالرغم من أنه موقف يمثل قمة الاستكبار والهنجهية والاستخفاف بكل الحقوق المشروعة للبشر، وبالرغم من أنه يتجاهل كل قرارات الشرعية الدولية وكل الاتفاقات السابقة الموقعة مع الفلسطينيين ويجعل من إقامة الدولة الفلسطينية الهشة المنزوعة السلاح والناقصة السيادة والتى ستتولى إسرائيل على نصف أراضيها بما فيها القدس الشرقية وغور الأردن، تجعل تحقيق مثل هذه الدويلة رهنا بعدة شروط والتزامات تتعهد بها السلطة الفلسطينية جميعها مستحيلة التنفيذ وليس أقلها نزع سلاح حماس.. وأن يحقق الفلسطينيون مستوى من الديمقراطية وحقوق الإنسان والفصل بين السلطات واستقلالية القضاء مستوى لم تصله أى دولة عربية من قبل أو حتى تقترب منه، والذى سيقرر أنهم قد حققوا الهدف هو إسرائيل!!
بالرغم من كل ذلك فالموقف لا يدعو إلى الهلع والاستسلام إلى المصير المحتوم فهو ليس قدرا محتوما، فهو لا يعدو أن يكون اقتراحا أمريكيا إسرائيليا حتى وإن بلغ حد الهذيان من رئيسين فاسدين يحاكمان فى بلديهما.
***
لذا.. فإن مواجهته تكون بإحياء المبادرة العربية للسلام وطرحها كموقف عربى مضاد، وهذا الطرح الذى اقترحه السيد عمرو موسى فى حواره المشار إليه.
***
وباعتقادى أن هذا الطرح هو أفضل المسارات المتاحة أمام الجانب العربى حاليا، لأن هذه الصفقة بين إسرائيل وأمريكا ما وضعت إلا لترفض حتى يترسخ فى الأذهان على النطاق العالمى أن العرب لا يعرفون إلا الرفض وحتى يصبح تنفيذها من جانب واحد أمرا مقبولا من الأطراف الخارجية.
لذلك فإن التفاوض بالشروط التى وضعها السيد موسى أى ألا تكون «الصفقة» هى الورقة الوحيدة على المائدة التى يجرى عليها التفاوض بل تأخذ مسماها الحقيقى وهو «ورقة تتضمن الموقف الإسرائيلى»، كما أن إجراء التفاوض تحت إشراف الأمم المتحدة والرباعية الدولية كفيل بإعادة الأمور إلى مرجعيتها الشرعية.. قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة واتفاق أوسلو... وسائر الاتفاقات الموقعة مع الجانب الإسرائيلى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved