موضة حفظ الاستجوابات
عمرو هاشم ربيع
آخر تحديث:
الخميس 4 فبراير 2021 - 7:15 م
بتوقيت القاهرة
ماذا حدث للبرلمان؟ مهمة الرقابة أصبحت بعافية منذ نحو ست سنوات. البرلمان له وظيفتان، الرقابة والتشريع. والرقابة أو المحاسبة أو المعارضة هى إحدى وسائل تفريغ غضب المواطن، لكن ذلك التفريغ يتم بآليات مقننة. واحد من تلك الآليات هى التظاهر، أو الاعتصام، وقد وضع القانون شروطا كثيرة لهما، بما يفضى لاستحالة تحقيقها اليوم. بقت آليات أخرى للتعبير عن الغضب، وخروج المكبوت، منها محاسبة الشعب للحكومة عبر ممثليه فى البرلمان، المحاسبة لها آليات كثيرة، أهمها بل وأشدها فى النظم البرلمانية وشبه البرلمانية الاستجواب ولجان تقصى الحقائق. أما فى النظم الرئاسية فهناك ما هو أكبر وأشد، وهو تحكم البرلمانات فى الموازنة، بما يغل يد السلطة التنفيذية أمام البرلمان.
برلمانات كثيرة تعتمد على آلية الاستجواب كوسيلة لمحاسبة الحكومة، يصل الأمر إلى حد إقالة الحكومة، بعد إسقاطها فى تصويت يعقب الاستجواب. الاستشهاد هنا ليس بنظم راقية ومتمدينة فى الغرب فحسب، بل لدينا نماذج عديدة فى بلدان نامية، سارت على نهج تلك النظم، خذ الكويت مثلا، والتى تنجح الاستجوابات فيها فى تغيير السياسات، بل إنها أحيانا تُسقط الحكومة تلو الحكومة، ولا يأبه النواب بعواقب ذلك، حتى لو أدى إلى حل البرلمان، وهو ما حدث كثيرا.
مصر ليست دولة خالية من المشكلات، لدينا عديد الأمور التى تستحق محاسبة الحكومة، هناك موضوعات فرعية شتى لقضايا أساسية كالتعليم والصحة والزراعة والصناعة والتجارة والغذاء.. إلخ خذ مثلا حوادث الطرق، وأزمة السماد، وأوضاع المستشفيات، وحال التعليم بعد استشراء التعليم الموازى فى المنازل والسناتر، والاكتفاء الذاتى من بعض المحاصيل، وحقوق الإنسان، وأموال الوقف، وتلويث البيئة، وشح المياه، وارتفاع أسعار الكهرباء والمياه، وفساد المحليات، وإغراق الشوارع المتتالى سنويا عقب سقوط الأمطار، وشبكات الصرف الصحى والزراعى.. إلخ. كلها أمور تستدعى المحاسبة والوقوف على أداء الحكومة، أما عدم الاعتراف بذلك، أو التأكيد أن مصر تعيش حالة ترف، فمعنى ذلك أن المرء يسلك سلوك النعام الذى يدفن رأسه فى الرمال.
برلمان 2015/2020 كان أداؤه غير جيد. بدأ البرلمان بداية طموحة، فعارض مشروع الخدمة المدنية، وانتهى به الحال جاثيا؛ حيث ضعفت ووهنت المعارضة ممثلة فى تكتل 25/30، ومن قبل ذلك تشرذم المصريين الأحرار صاحب أكبر تكتل حزبى فى البرلمان، لأسباب تتعلق بأمور حدثت خارجه، وهى ليست محلا للنقاش فى هذا المضمار. إدارة المجلس تعمدت أن تخاطب من هم خارج المجلس، برسالة مفادها أن البرلمان هادئ، بالرغم من أنه هدوء ناتج عن كبت عديد النواب، أرادت بذلك استحسان سلوكها من الخارج، وإذ بها تخرج من المجلس الحالى وهى خالية الوفاض. استجواب وحيد وضعيف، فى يناير 2020، تعمدت أن تختاره، لتسفه به أداء المعارضة، وإيصال رسالة للكافة خارج البرلمان، بأن تلك هى نوعية الاستجوابات التى يتم التقدم بها.
اليوم يبدو أننا على درب البرلمان المنصرم فى سلوك «كله تمام». تم التقدم باستجواب مهم يخص تصفية شركة الحديد والصلب بحلوان. مكتب المجلس المؤلف من الرئيس والوكيلين، قرر حفظ الاستجواب، بحجة أن الموضوع يتعلق بقرار مجلس إدراة الشركة القابضة، ولا علاقة له بالحكومة. حجة واهية وساذجة لا تخيل على أحد، لأنها تفترض أن الشركة تعمل فى فراغ ولا تتبع وزير الصناعة. حجة تتجاهل تصريحات وزير الصناعة نفسه، التى كررها عدة مرأت بأنه المسئول عن التصفية. وحتى إذا فرضنا جدلا أن الحكومة لا دخل لها بموضوع ما، ألا يكفى وجود قضية رأى عام تهز المجتمع وتصبح حديثه بهذه الدرجة، حتى تنال رضاء إدارة المجلس، فتصبح موضوعا لمحاسبة الحكومة. هل يمكن مثلا اعتبار قضية كبرى تتصل بإحدى محافظات الجمهورية مسئولية المحافظ الذى هو غير مسئول أمام البرلمان، فنعفى بذلك وزير الحكم المحلى أو رئيس الوزراء من المحاسبة، هل لنا أن نقول إن وقوع أزمة ما فى مترو الأنفاق أو السكك الحديدية هى مسئولية رئيس الهيئة القومية للأنفاق أو السكك الحديدية، كى نعفى وزير النقل أو الحكومة من المسألة.. إلخ.
الناظر إلى دستور 2012 المعدل حتى الآن مرتين، سيجد صلاحيات كثيرة للبرلمان، لم تستخدمها إدارة البرلمان، وثلة معتبرة من النواب، ما زالوا يعيشون فى مناخ عهد مبارك، يعتقدون أن البرلمان يجب أن يكون خانعا للسلطة التنفيذية، وطيعا للحكومة، وأن المعارضة هى سلوك الغوغاء والفوضويين.. متى يفيق برلماننا من تلك الغفوة؟ وعلام يدافع؟ وعلى من يذود على الشعب أم على الحكومة؟ متى يستغل برلماننا صلاحياته الدستورية؟.