أرجوكم امنعوا التدخين

محمد الهوارى
محمد الهوارى

آخر تحديث: الجمعة 4 فبراير 2022 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

فى ظل وباء قاتل يستهدف الجهاز التنفسى، أتعجب جدا حين أذهب إلى أحد المقاهى أو المطاعم الكثيرة المنتشرة فى مصر؛ بسبب العدد الكبير من المدخنين من رواد تلك الأماكن. ويزيد تعجبى ضعف التهوية فى معظم تلك الأماكن المغلقة أو شبه المغلقة. فإن التهوية فى معظم تلك الأماكن غائبة تقريبا، وغالبا ما تتم عبر شبابيك قليلة بنفس طريقة تهوية أحد المنازل الذى تسكنه أسرة محدودة العدد دون تطبيق لنظام التهوية الضرورى لمثل تلك الأماكن كثيفة الرواد. قد يرجع ذلك إلى ارتفاع تكلفة أنظمة التهوية السليمة. ولذلك فالنتيجة الحتمية هى ارتفاع نسبة الإصابة بأمراض الجهاز التنفسى وأمراض الحساسية للمواطنين من رواد هذه الأماكن.

وبينما منعت الحكومة المصرية التدخين فى أماكن كثيرة مثل المصالح الحكومية فيتعين عليها أن تسارع لتوسيع دائرة منع التدخين لتشمل أى أماكن مغلقة بل وتوسيع مدى المنع لعدة أمتار حول المبانى المختلفة أسوة بما يحدث فى دول متقدمة كثيرة. مثلا فى سنغافورة التى تعانى من ارتفاع شديد فى الرطوبة تجد المدخنين خلال ساعات العمل يدخنون على مسافة عدة أمتار من محيط المبانى التى يعملون بها وذلك لتجنب العقوبة القانونية للتدخين فى حرم الأماكن المغلقة. التدخين فى هذا الجو القاسى الرطب يمثل فى حد ذاته عقوبة لأصحاب هذه العادة الكريهة. المنطق وراء ذلك هو التأكيد على حق المواطنين من زوار هذه الأماكن فى الحصول على هواء نظيف، ليس فقط داخل المبانى ولكن أيضا عند الدخول والخروج منها.
مهما كان حجم المردود المالى الذى تتحصل عليه الدولة من عوائد الضرائب والرسوم على منتجات التبغ المختلفة فالدول المتقدمة فى العالم كله توصلت فى النهاية إلى أن الأضرار المادية والصحية من التدخين والاستهلاك الثانوى للدخان من غير المدخنين أشد ضررا على المدى البعيد على الاقتصاد وعلى البنية المجتمعية. ولذلك نرى أن التدخين فى معظمه أصبح صعبا بل و ممنوعا فى جميع الأماكن المغلقة باختلاف أنواعها.
فى نفس الوقت، لأن منع التدخين داخل الأماكن المغلقة أصبح قاعدة ثابتة فى أغلب الدول المتقدمة والغنية فإن أغلب السياح القادمين من هذه الدول يتضررون من عدم تطبيق هذه القاعدة فى الدول التى يزورونها مما قد يدعوهم إلى تقليل زياراتهم أو تقصير مدتها. بالتالى فإننى أتخيل أنه يتوجب علينا منع التدخين فى جميع الأماكن السياحية، حتى المفتوحة منها. هذا عنصر أساسى من تقييم السائح لتجربته السياحية التى يتخذ على أساسها قرار العودة مرة أخرى للبلد التى يزورها أو الاكتفاء بزيارة واحدة. وسنقوم بتخصيص عدة مقالات عن المفهوم المهم لـ«تجربة السائح» وعناصرها ومعايير تقييمها. هى فى تقديرى السر وراء عدد السياح المحدود الذى يزور دولة بإمكانيات مصر الكبيرة بالمقارنة بالعدد الذى يزور دولا أخرى ليس لديها أى من تلك الإمكانيات ولكنها عملت على تحسين تجربة السائح من لحظة وصوله حتى خروجه مرورا بكل لحظة يقضيها داخل حدود البلد.
تهتم الدولة فى أعلى مستوياتها بالرياضة كركن أساسى فى صحة المواطن المصرى. يبدو لى أن حماية غير المدخنين من أضرار التدخين هى أيضا من ضمن أولويات الدولة مثل الرياضة. وقد ينتج عن ذلك أيضا تقليل أعداد المدخنين عن طريق تصعيب ممارسة هذه العادة الكريهة. بل ولا أظن أنى أبالغ حين أقول إنه يجب أن يتحول إلى وصمة على المدخن تجنبها. تتذكر الأجيال التى تسبقنا إعلانات السجائر التى كان يقوم بها أشهر المدخنين فى العالم حتى لاعبى كرة القدم العالميين منهم مثل «كرويف» والذى تحول فيما بعد لأحد أكثر المعارضين للتدخين. وفى الثمانينيات زاد الوعى وتوقفت هذه الإعلانات بل ويتذكر أبناء جيلى حملات التوعية التليفزيونية والتى كانت تبدأ بجملة «لحظة من فضلك» للتوعية بعدد من المشاكل المجتمعية المختلفة ومن بينها التدخين. فلماذا لا يصاحب تغيير القانون حملة توعية حكومية تمول بالكامل من ضرائب التبغ لمكافحة التدخين وتحويله لوصمة. أتخيل أن هذه الحملة من الممكن أن تجذب الكثير من نجوم الرياضة والفن والسياسة والاقتصاد لزيادة الوعى الصحى فى المجتمع.
إذا نجحت الحكومة فى منع التدخين وتحويله لمهمة شاقة بل ووصمة فإن أهم النتائج على الاطلاق ستكون زيادة متوسط الأعمار وتقليل عدد وأثر الأمراض القاتلة الناتجة عنه وبالتالى تقوية بنية المجتمع لتصبح أكثر قوة بصحة جميع أفراد الأسرة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved