الشهر العقارى والأحوال الشخصية
عمرو هاشم ربيع
آخر تحديث:
الخميس 4 مارس 2021 - 8:10 م
بتوقيت القاهرة
كثيرة هى المشكلات التى أثيرت الأسبوعين الماضيين حول تعديل مشروع قانون الشهر العقارى، وتعديل مشروع قانون الأحوال الشخصية. التعديلات المعلنة أثارت لغطا كبيرا، وأصبحت ساحة للتراشق أو على الأقل الجدال بين أطراف الخلاف، سواء بين المجتمع والدولة بالنسبة لمشروع القانون الأول، أو بين هذين الطرفين وأيضا بين الرجال والنساء بالنسبة لمشروع القانون الثانى.
المؤكد أن الخلافات أثيرت بسبب كون المشروع الأول يتصل بأمور مالية وأعباء مادية تمس الغالبية العظمى من المواطنين، لأنها ترتبط بتسجيل قسرى لأماكن السكن وغيرها من العقارات. كما كانت المشكلة بالنسبة لمشروع القانون الثانى ترجع لكونه يمس الأسرة، خاصة الرجال فى علاقاتهم بالنساء، وتبعات ذلك من أحكام بالسجن أو فرض غرامات مالية أو كلاهما، وهو ما اعتبره عديد من الرجال يمس حياتهم الشخصية، وجورًا عليهم فى مواجهة النساء. الأعباء المالية المفروضة فى المشروعين جعلت البعض يسخر من وضع الجباية المستمر، بأن على الحكومة أن تفصح (من الآخر) عما تريده من تكلفة لبعض مشروعاتها الكبرى.
الموضوعان إذن فى غاية الأهمية، ورغم أن الأول قد تم إرجاؤه لأكثر من عامين لحين الدراسة، إلا أن مجرد التأجيل وليس الإلغاء يعد سيفا مسلطا على الرقاب مؤجلا لبعض الوقت. (رغم ذلك) فإن الموضوع الثانى لا زال يثير الكثير من الخلاف، فى واحد من أهم الأمور التى تؤثر على العلاقات الاجتماعية، كونه يمس العلاقة بين الرجل والمرأة، ما يجعل الفتن تتأد وتستعر داخل عديد البيوت والأسر المصرية، حتى تلك الهادئة والتى أصبح الرجال يشعرون داخلها هم وأبناؤهم الذكور المقدمون على الزواج أن السيوف مسلطة على الرقاب. هذا المشروع الأخير جعل البعض يتحدث عن أن لمسات المجلس القومى للمرأة فى المشروع أكبر بكثير من لمسات الأزهر أو الشريعة الإسلامية، وهى المصدر الرئيس للتشريع وفق المادة الثانية من الدستور الحالى. كما جعل البعض يشير إلى أن المشروع هو تشجيع مباشر على الطرق التى اتفق كل من المجتمع والدولة معًا على محاربتها. بعبارة أخرى وأوضح، المشروع يعتبره الكثيرون حاضًا ومحرضًا بل ومشجعًا بغير قصد على اتباع الطرق الملتوية وغير السوية بل والمجرمة فى العلاقة بين الرجل والمرأة، كونه فى الأخير يدفع مباشرة تجاه الزواج العرفى فى أبسط الأحوال، أو تجاه التحرش والزنا فى أسوأ الأمور وأشدها وطأة.
مشروعا القانونين السابقين والجدل بشأنهما، يبدو أنهما كشفا عن المحاسن التى يعتبرها البعض محدودة أو استثنائية لشبكات التواصل الاجتماعى. بعبارة أخرى، لعبت تلك الشبكات الدور الرئيس فى إثارة الجدل بشأن الموضوعين، وتبعها بعد ذلك بعض الأحزاب ونواب البرلمان والحقوقيون ومؤسسات المجتمع المدنى.
الشىء الآخر الذى يثيره هذان الموضوعان، هما ما تناوله المعنيون، من ثلة معتبرة من التناقض داخل مشروع القانون الواحد، والتناقض بين كل من هذين المشروعين وبين قوانين أخرى سارية، من حيث تناسق العقوبات، وكذلك ملائمتها للجرم أو الخطأ الذى وقع. خذ مثلا عدم التناسق بين عقوبة الزنا فى فراش الزوجية المقررة فعلا، وعقوبة إخفاء الزواج الثانى المقترحة. وخذ أيضًا العقوبات المقررة فى قانون البيئة والتى تحرم الأم حاضنة أبنائها من رؤية والدهم لهم، وخذ كذلك الثراء المبالغ فيه وغير المبرر والمقترح لنقابة المحامين من تحصيل رسوم تسجيل العقارات، وقارن بين ذلك وحالة الفقر المدقع لعديد النقابات المهنية.. وهكذا.
كل ما سبق من ملاحظات وملاحظات أخرى كثيرة، تجعل المرء يطالب بإعادة النظر فى مشروعات القوانين التى تقدم إلى البرلمان من قبل الحكومة. هناك لجنة الإصلاح التشريعى التى سبق وأن شكلت بقرار رئيس الوزراء رقم 187 لسنة 2014، والمعاد تشكيلها عدة مرات كان آخرها فى 19 أكتوبر 2020. تلك اللجنة لم نسمع عن أنها ساهمت فى إخراج مشروعات القوانين الأخيرة، قبل أن تعتمد من مجلس الوزراء وتصل لساحة البرلمان. جدير بالذكر أن تلك اللجنة منوط بها إعداد وبحث ودراسة مشروعات القوانين اللازم إصدارها أو تعديلها تنفيذًا لأحكام الدستور، وكذلك بحث ودراسة ومراجعة مشروعات القوانين التى تعدها أو تطلب إعدادها الوزارات واللجان الوزارية المختلفة، وكذلك تطويرها والتنسيق بينها وبين التشريعات المختلفة لضمان عدم تعددها أو عدم قصورها أو عدم تناقضها، وأيضًا كشف غموضها، والعمل على ضبطها وتوحيدها وتبسيطها ومسايرتها لحاجات المجتمع.