بنات حواء

محمود قاسم
محمود قاسم

آخر تحديث: الجمعة 4 مارس 2022 - 9:55 م بتوقيت القاهرة

سحر هذا الفيلم يجعل لدى القدرة على مشاهدته أربع مرات يوميا، أى أنه فيلم يعرفه الجميع، وقد تتعارض الكتابة عنه مع متابعه الأفلام المجهولة، لكن الكثير من الأفلام التى نختارها هى أيضا أفلام معروفة عند الناس ولكننا نتوقف عند جانب خفى بالغ الأهمية، يجب أن نتوغل فيه، هو واحد من الأفلام الغنائية الكوميدية الخالدة أخرجه نيازى مصطفى ١٩٥٤، من بطولة محمد فوزى ومديحة يسرى وإسماعيل يس وشادية، من أبرز ما فيه أن هند رستم كومبارس مبتدئ، وأهميه الفيلم أنه واحد من الأعمال التى تمثل إرهاصات لمحاولات المجتمع منح المرآة مكاسب سواء سياسية أو اجتماعية، إنه النصف الثانى من القرن العشرين الذى بدأ بفيلم الأفوكاتو مديحة ثم فيلم الأستاذة فاطمة، وفيهما محاولة ليس فقط لتمجيد المرأة المتعلمة ولكن أيضا لتمجيد المهن الخاصة التى كانت تسعى المرأة للعمل فيها وإثبات نجاحات ومن هذه الأفلام أيضا «بنات حواء» الذى يمجد العمل الخاص للمرأة، وهى هنا عصمت صاحبة محل كبير للأزياء ولوازم النساء، لكنها على الجانب الآخر تتولى قيادة جمعية اهلية شعارها هو المرأة تساوى الرجل. الفيلم فى البداية يسخر من تناقضات النساء، فحين يفتح باب رياسة الجلسة لتكون للمرأة الأكبر سنا فإن جميع الحاضرات يمتنعن عن الدخول فى هذه المهاطرة، وحين يتم السماح للمرأة الأصغر سنا يهرولن جميعا نحو المنصة.
عصمت هى مديحة يسرى بكل ما تتمتع به من جمال وأنوثة وقوة شخصية وكبرياء، وهى تعترض بسيارتها الفنان التشكيلى الذى تتحطم لوحته التى ينوى الاشتراك بها فى مسابقة، وكى لا يذهب بها إلى الشرطة فإنها توافق على أن تمنحه الوقت كى يرسمها، وتكون لديه لوحة جديدة، هو رجل يجيد الغناء والرسم، خفيف الظل، ومن الواضح أنه وقع فى هوى عينيها منذ الرسمة الأولى، أما هى فتبعا لمواقفها وأفكارها فإنها لا تأبه لعواطفه، ما يزيد من ضغوطه عليها ويحاول لفت أنظارها كأن يسحب شيكا من حسابها فى البنك، وفى لحظة ما يبوح لها بمشاعره ثم يدخلان فى رهان عاطفى مفادة أنها سوف تقع حتما فى غرامه، ويبدأ فى إثارة مشاعر الغيرة لديها من خلال اختها حكمت «شادية» التى تحبه بدورها وتفرض عليه مشاعرها، رغم أنها مخطوبة لرجل آخر يجسده إسماعيل يس.
التفاصيل بالطبع لا تهمنا، فالفنان يتعلم أصول الحب والمشاغبة على يدى الممرض الذى يعالجه بعد ان تلقى على يديها ضربة ساخنة، كما انه يتعلم المصارعة من اجل التصدى لها، لكن ما يهمنا هو ايمانها الشديد بأن المرأة بالفعل تساوى الرجل وأن من حقها أن تسير عضوا فى البرلمان، طبعا بالانتخاب، واذا كان الفيلم قد انتصر بالحب فإن الزمن قد انتصر للمرأة، لأن نهاية الفيلم تجعل المرأة وقد وقعت فى غرام الفنان وترتدى ثوب الزفاف والفرحة، ما يعنى أنها تزوجت وتخلت عن فكرتها، ومثلما حدث فى الفيلمين اللذين ذكرناهما من قبل فإن المحامية تقرر غلق باب مكتبها والزواج من حبيبها وما يتبعه من إنجاب وجلوس فى البيت، لكن أبو السعود الأبيارى مؤلف الفيلم قد ترك الباب مفتوحا قليلا، رغم ان عصمت قد تم طردها من جمعية المرأة تساوى الرجل فإنها لم تصرح ابدا إنها تخلت عن فكرة انتخاب المرأة لتكون عضوا فى البرلمان.
بعد اربع سنوات من هذا التاريخ وفى منزلنا بحى كرموز بالإسكندرية زارتنا سيدة وقور كى تطلب من الأسر المصرية مساندتها كى تكون عضوا فى البرلمان، أذكر كيف كانت فى الطبيعة، لم تكن ابدا فى طول القامة أو الجمال أو الوجه الرومانسى الذى تتمتع بهم مديحة يسرى، لكنها بالطبع بدت سيدة قوية الشكيمة والعزيمة وكانت اول امرأة يتم انتخابها لمجلس الامة، هى السيدة أمينة شكرى، ما يعنى أن إرهاصات السينما قد تحققت بعد فترة قصيرة جدا رغم الرؤية الرجعية لبعض كتابها، وسرعان ما صارت المرأة فى البرلمان بشكل تدريجى حتى وصلت البرلمان الحالى بكل هذا العدد من العضوات ولعلنا نتذكر أنه فى عام ١٩٦٦ فإن شادية اثارت دهشة المجتمع وهى تقوم بدور أول مدير عام فى مصلحة حكومية وهى الفترة التى كانت الدكتور حكمت أبوزيد قذ صارت وزيرة، لكن مفاجأة الفيلم أن المديرة هنا كانت رئيس مباشر على زوجها، وفى فيلم بنات حواء فإن عصمت كانت هى رئيس العمل الذى التحق به الفنان، يمكنها ان تطرده أو ان تمنحه علاوة.
مع نهاية القرن العشرين، تغيرت الحسبة كثيرا رغم كل المقاييس فإذا كان المجتمع قد شهد رده فى ملابس المرأة لكنها ملأت قاعات الدراسة فى الجامعات وأيضا فى الوظائف والمؤسسات السياسية ويبدو أن السينما لم يعد لديها إرهاصات جديدة فى هذا الشأن.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved