تعاطي الإعلام الأمريكي مع إضرام بوشنال النار في جسده
صحافة عربية
آخر تحديث:
الإثنين 4 مارس 2024 - 7:15 م
بتوقيت القاهرة
نشرت صحيفة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى، انتقدت فيه تجاهل الإعلام الأمريكى لواقعة إشعال جندى فى سلاح الجو الأمريكى النار فى جسده احتجاجا على حرب إسرائيل ضد غزة، كما أوضحت سبب هذا التعتيم... نعرض من المقال ما يلى:
تعمدت أغلب وسائل الإعلام الأمريكية تجاهل حادثة إقدام الجندى «بوشنال» Aaron Bushnell على إضرام النار فى جسده احتجاجا على تواطؤ الحكومة الأمريكية مع دولة الاحتلال فى إبادة الفلسطينيين والفلسطينيات وممارسة التطهير العرقى. وبالرغم من تصريح أحد أصدقاء «بوشنال» بأن سبب الانتحار يعود إلى اكتشاف سر خطير يتمثل فى مشاركة الجنود الأمريكيين فى تقتيل سكان غزة فإن هذا الخبر لم يحرك سواكن الجماهير، بل حاولت أغلب الصحف الترويج لسردية «الجندى المضطرب نفسيا» و«المعتوه» و«المجنون»... إذ لا يعقل أن تكون آخر كلمات جندى فى سلاح الجو الأمريكى Free Palestine، وهى الكلمة المحظورة التى تعرض المتلفظ بها لعقوبات زجرية.
الواقع أن تغاضى معظم وسائل الإعلام عن تحليل الحدث وتحويله إلى قضية رأى عام لا يستغرب إذ سبق لامرأة من ولاية أطلانطا (لم يذكر اسمها) أن أشعلت النار فى جسدها، منذ أشهر، احتجاجا على ما يجرى فى غزة، ولكن وسائل الإعلام سعت إلى التقليل من شأن الحدث. ويفسر موقف عدد من الإعلام الأمريكى بالانحياز لسياسات «بايدن» وحرص اللوبيات الإعلامية على التحكم فى الرأى العام الأمريكى، فى فترة انتخابية أقل ما يقال عنها إنها «حرجة»، فضلا عن خضوع عدد من وسائل الإعلام الأخرى للحركات الصهيونية المهيمنة.
طالب السينياتور كوتن Tom Cotton البنتاجون بفتح تحقيق للتثبت من انتماءات الجندى وعلاقته بالجماعات الإسلامية المتطرفة بينما صرح أحد الجمهوريين ومن قدماء المحاربين فى أفغانستان والعراق بأن للجندى «بوشنال» «وجهات نظر متطرفة ومعادية للولايات المتحدة». وبادرت بعض الصحف المحترفة فى إشاعة الأخبار الكاذبة بترويج خبر مفاده أن آخر كلمات «بوشنال» كانت التحريض على قتل اليهود. إن توظيف هذه الفزاعات أمر معتاد للتلاعب بالجمهور حتى لا تبدى أى مواطنة أو مواطن أمريكى تعاطفا مع هذا الشاب الذى لم يجد وسيلة للتعبير عن مشاعر الغضب والاستياء إلا الانتحار.
غير أن الشبان والشابات الذين أدوا واجبهم العسكرى أو انتموا سابقا للمؤسسة العسكرية سرعان ما أبدوا موقفهم من التعاطى الحكومى والسياسى والفكرى والإعلامى مع الحدث. فكان الرد من خلال تقديم الشهادات التى تدين أمريكا، والخطابات التى تشرح لعموم الشعب الأمريكى ما يحدث باسمهم وبأموال الضرائب التى يدفعونها.
ويذكرنا هذا الموقف بالجدل الذى تلى ظهور صور الجنديات والجنود المورطين فى تعذيب المعتقلين فى سجن أبى غريب والتى تبين بعد سنوات، أن تلك الممارسات كانت ممنهجة وتمثل جزءا من التدريبات التى تلقاها هؤلاء إذ كانوا يتفنون فى التعذيب ويمارسون الإهانة والإذلال والانتهاكات بعلم الإدارة. وها نحن اليوم، نكتشف أن بوشنال قد أعد العدة فمسرح حدث انتحاره وكتب وصيته وعول على كاميراه الشخصية لينقل مباشرة الحدث للرأى العام العالمى، ويتوجه له برسالة واضحة: إنه ما عاد يعول على وسائل الإعلام بعد أن أفلست فى أداء واجبها بمهنية واحترافية وصارت شريكة فى حرب الإبادة على غزة.
إن ما تم اغتياله فى غزة ليست المشاعر الإنسانية والقيم والمثل فقط بل اغتيلت الأفكار الكبرى فانتهت أسطورة أمريكا حامية الديمقراطية وحقوق الإنسان.
النص الأصلي