أوروبا فى عين العاصفة!

خالد أبو بكر
خالد أبو بكر

آخر تحديث: الثلاثاء 4 مارس 2025 - 9:55 م بتوقيت القاهرة

 ليس سرًّا أن أوروبا تعيش اليوم واحدة من أكثر لحظاتها حرجًا منذ نهاية الحرب الباردة. عندما اجتمع القادة الأوروبيون فى لندن مؤخرًا، لم يكن الهدف مجرد مناقشة وقف إطلاق النار فى أوكرانيا أو تقديم ضمانات أمنية لكييف، بل كان الأمر يتعلق بمصير أوروبا نفسها. السؤال الذى بات مطروحًا بشكل ملح: هل تستطيع أوروبا أن تحمى نفسها دون الغطاء الأمريكى؟

لطالما كانت واشنطن هى الضامن الأكبر لأمن أوروبا، ولكن الأمور تغيرت. اللقاء المتوتر بين الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى ودونالد ترامب فى واشنطن كان بمثابة صدمة للقارة العجوز. ترامب لم يتردد فى إذلال زيلينسكى علنًا، واصفًا إياه بـ«الديكتاتور»، ومعلنًا أن هذه الحرب «ليست حرب أمريكا». الرسالة كانت واضحة تمامًا: أوكرانيا، ومعها أوروبا، لم تعد ضمن أولويات الولايات المتحدة. وإذا كانت هذه لحظة محرجة لكييف، فهى لحظة مقلقة ومخيفة لأوروبا.

• • •

لقد كان من السهل على الأوروبيين خلال العقود الماضية الاعتماد على واشنطن فى كل الأزمات الكبرى، من حروب البلقان إلى التوترات مع روسيا. لكن هذه المرة، يبدو أن على أوروبا البحث عن طريقها الخاص. هنا حاولت بريطانيا وفرنسا أن تتقدما الصفوف، بحثًا عن حل سياسى للحرب فى أوكرانيا، لكنهما سرعان ما اصطدمتا بواقع قاسٍ: من دون دعم أمريكى، أى اتفاق يبقى مجرد حبر على ورق.

أوروبا نفسها ليست متحدة كما يبدو، فبينما تدعو دول مثل بولندا ودول البلطيق إلى سياسة صارمة تجاه موسكو، تتردد ألمانيا وإيطاليا فى تبنى أى موقف حاد، خوفًا من التبعات الاقتصادية والعسكرية.

وسط كل هذا، يعود الحديث عن الجيش الأوروبى الموحد، وهى فكرة قديمة حاولت فرنسا الدفع بها مرارًا، لكنها دائمًا ما كانت تصطدم بجدار من الخلافات السياسية والتاريخية بين دول الاتحاد. لا يمكن إنكار أن أوروبا تملك قوة اقتصادية هائلة، لكن ماذا عن قوتها العسكرية؟ الإنفاق الدفاعى الأوروبى يبلغ 240 مليار يورو سنويًا، رقم يبدو ضخمًا لكنه موزع بشكل غير فعال بين دول عدة، دون قيادة موحدة أو استراتيجية واضحة. فى المقابل، تنفق الولايات المتحدة أكثر من 800 مليار دولار على دفاعها، بينما تنجح روسيا بميزانية أقل بكثير فى تحقيق مكاسب عسكرية واضحة بسبب تكيفها مع الحروب الحديثة.

• • •

أمام هذا المشهد، تبدو خيارات أوروبا محدودة. يمكنها أن تحاول الحفاظ على علاقتها مع الولايات المتحدة، على أمل أن يتغير موقف واشنطن مستقبلاً، لكن ذلك رهان غير مضمون، خاصة مع صعود تيارات انعزالية فى السياسة الأمريكية. الخيار الثانى هو بناء قدرة دفاعية أوروبية مستقلة، لكن هذا يتطلب سنوات من الاستثمار وإصلاح الخلافات الداخلية، وربما يكون مجرد حلم بعيد المنال. السيناريو الأكثر خطورة هو أن تدخل أوروبا فى فوضى استراتيجية، حيث تبقى منقسمة وضعيفة، مما يمنح روسيا فرصة لتعزيز نفوذها.

السؤال الآن ليس ما إذا كانت أوروبا بحاجة إلى إعادة ترتيب أوراقها، بل كم من الوقت تبقى أمامها قبل أن يصبح التغيير مستحيلاً؟ الولايات المتحدة لم تعد الشريك الذى كان، وروسيا لن تنتظر حتى تحسم أوروبا أمرها. إذا لم تتحرك القارة العجوز بسرعة، فقد تجد نفسها قريبًا تحت رحمة قرارات لا تملك فيها أى نفوذ، سواء من موسكو أو من واشنطن.

أوروبا فى عين العاصفة، لكن السؤال الحقيقى هو: هل تستفيق قبل أن تجرفها الرياح؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved