هل بدأ العد العكسى للنفوذ الإيرانى؟

سعد محيو
سعد محيو

آخر تحديث: الأحد 4 أبريل 2010 - 10:03 ص بتوقيت القاهرة

 الأسبوع الفائت لم يكن أسبوعا سعيدا، لا لإيران ولا لحزب الله اللبنانى.

فمن بغداد إلى موسكو، ومن سرت إلى كابول، ومن الرياض إلى دمشق، مرورا بالمحكمة الدولية، كانت المؤشرات السلبية تتدفق على طهران والضاحية الجنوبية مُنذرة باحتمال دخولهما مرحلة من حالة انعدام الوزن الخطيرة فى الشرق الأوسط.

نبدأ من العراق الذى شهد ما يمكن أن يكون انقلابا إقليميا ضد إيران، قد يكون الأول من نوعه منذ عام 2004 حين رسّخت هذه الأخيرة نفوذها فى بلاد ما بين النهرين بفضل الأخطاء الأمريكية الجسيمة هناك.

فقد أدى فوز لائحة إياد علاوى «العراقية» المدعومة سعوديا وسوريا وأمريكيا، والمستندة أساسا إلى القوى العلمانية العروبية والسنّية، إلى حصيلتين متلازمتين:

الأولى سياسية، وتمثّلت فى توجيه لطمة إلى وجه حلفاء طهران فى كل من «ائتلاف سلطة القانون» والائتلاف الوطنى العراقى (تحالف الصدر والحكيم)، واحتمال تحوّل هذه اللطمة إلى نكسة فى حال تمكّن إياد علاوى من جذب الأكراد وقوى شيعية أخرى لتشكيل حكومة وحدة وطنية. إذ حينذاك قد تنتهى مرحلة ذروة النفوذ الإيرانى، التى تجسّدت عمليا بشعار «استئصال البعث» (أى ضمنا عروبة العراق) لتبدأ مرحلة عودة العراق إلى الحظيرة العربية.

والثانية أيديولوجية، وتجسدت فى انتصار العراقيين على الطائفية عبر الطائفية، لغير صالح السياسة الإيرانية.

هذه المعادلة قد تبدو متناقضة، لكنها ليست كذلك.

صحيح أن الانتخابات التشريعية الأخيرة جرت وفق خطوط طائفية واضحة، حيث بذلت معظم الأحزاب والتيارات جهودا كثيفة لاستنفار العصبيات المذهبية. وهذا شمل رئيس الوزراء المالكى الذى لف نفسه قبل أشهر بالعلم الوطنى العراقى، لكنه ما لبث عشية الانتخابات أن ارتدى الجبّة الطائفية. ومع ذلك، دلّ فوز الحركة الوطنية العراقية بأكبر كتلة من المقاعد فى البرلمان (91 مقعدا)، على أن العراقيين قادرون على الخروج من الصندوق الأسود الطائفى. صحيح أن العديد من أحزاب الحركة الوطنية مذهبية هى الأخرى، لكن هذه الحركة ترفع على الأقل شعارات علمانية أو على الأقل لا طائفية، ورئيسها إياد علاوى لايزال يتذكّر بعض ماضيه القومى العربى الذى اتسم عموما بطابع علمانى.

وكل هذه أنباء غير مريحة لطهران لأنها ستبعد العراق كثيرا عن نموذج ولاية الفقيه، وتقربّه من هدف التحوّل إلى دولة عربية قوية مجددا. وهذا ما ستنشط هذه الأخيرة لعرقلته بكل الوسائل فى قادم الأيام.

هذا على صعيد «الجبهة العراقية». ماذا الآن عن الجبهات الأخرى؟

هناك جبهتان أخريان أثرتا بعمق على العمق الإيرانى، الأولى عربية والثانية أمريكية.

على الجبهة العربية، بدا واضحا أن قمة سرت لم تنجح فى توحيد المواقف العربية حول كيفية مواجهة الصلف الإسرائيلى، لكنها (وهنا المفاجأة) كانت حازمة فى اتخاذ موقف من إيران.

فقد رفضت معظم الدول العربية، وفى مقدمتها مصر والسعودية، اقتراح الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى فتح حوار مع إيران، قائلة إن هذه الأخيرة لم تغيّر مواقفها من المنطقة العربية كى يتسنى فتح الأبواب والنوافذ لها. هذا فى الوقت الذى يُنتظر فيه أن تشهد المنطقة قريبا فصلا جديدا، وكبيرا، من المصالحات فى المثلث التاريخى السعودى ــ المصرى ــ السورى.

وعلى الجبهة الأمريكية، هنا بدا أيضا أن الرياح جرت بما لا تشتهى السفن الإيرانية.

كيف؟

«افترضت أننا يجب أن نُعتبر أغبياء، لكن فجأة باتوا يعتبروننا عباقرة».

بهذه العبارة التى تضج بالفرح والفخار، علّق مسئول بارز على الانتصار الذى حققه الرئيس أوباما قبل أيام على جبهة إقرار خطة الإصلاح الصحى.

مقارنة المسئول بين الغباء والعبقرية كانت فى محلها تماما. فقبل أسابيع قليلة، كان الكثيرون يعتقدون أن الديمقراطيين فى الكونجرس سيرضخون إلى رغبة الجمهوريين بنزع اللحم عن عظم الإصلاح الصحى، بعد أن نجح هؤلاء الأخيرين فى كسب غالبية الجمهور الأمريكى إلى صفهم.

بيد أن إدارة أوباما، ومعها حزبها الديموقراطى، فاجأت الجميع فى المضى قدما فى إقرار المشروع على الرغم من المزاج الشعبى السلبى، وأيضا على الرغم من الخسائر الانتخابية التى تكبداها فى فيرجينيا ونيوجيرسى وخصوصا فى ماساشوستس حيث المقعد الديموقراطى التاريخى لآل كنيدى.

وهكذا تكون الإدارة والحزب قد مزّقتا، وفق تعبير الكاتب البريطانى كليف كروك، كتاب قواعد السلوك السياسى الأمريكى الذى ينص على أن السياسيين يجب أن يتّبعوا على نحو أعمى رغبات الرأى العام الشعبى ومزاجه.

هل ستكون لحصيلة هذا الانقلاب السياسى، الذى لم تجرؤ أى إدارة أخرى فى التاريخ الأمريكى على تطبيقه (عدا ربما إدارة إبراهام لينكولن بسبب ظروف الحرب الأهلية)، مضاعفات على السياسة الخارجية؟

أوباما يأمل ذلك.

فإدارته حققت إنجازا واضحا حين أبرمت صفقة جديدة مع موسكو لنزع الأسلحة النووية، ثم أتبعت ذلك بالإعلان أنها ستطلق مبادرات واسعة النطاق قريبا فى كل من شرق آسيا وجنوبها. بيد أن الخطوة الأبرز والأهم كانت فى الزيارة المفاجئة التى قام بها الرئيس أوباما إلى أفغانستان. فعلى الرغم من أن هذه الزيارة لم تدم أكثر من ست ساعات أمضاها هذا الأخير فى الجو بين القاعدة الجوية فى باجرام وبين كابول، فإنها كانت كافية لتوضيح أهدافه منها.

فهو ضغط علنا على حامد قرضاى كى «ينظّف منزله» من الفساد وسوء الإدارة، ويكافح المخدرات، ويطلق عملية مصالحة وطنية، كوسيلة وحيدة لكسب قلوب الأفغانيين وعقولهم. كما أعلن أنه ما لم يحدث ذلك، فسيكون من الصعب تغيير وجهة الحرب لغير صالح طالبان التى أمسكت بزمام المبادرة العسكرية منذ العام 2009.

وفى الوقت نفسه، كان أوباما يشجّع قائد القوات الأمريكية فى أفغانستان ستانلى ماكريستال على تنفيذ المرحلة الثانية من الاندفاعة العسكرية ضد معاقل طالبان فى منطقة هلماندن بعد أن حققت المرحلة الأولى بعض الإنجازات.

صحيح أن الرئيس الأمريكى شدد فى كابول على أنه «واثق من تحقيق النصر ضد حركة طالبان»، إلا أنه لم يحدد طبيعة النصر الذى يقصد. بيد أن القاصى والدانى باتا يعلمان أن واشنطن ستعتبر أنها انتصرت إذا ما انسحبت من أفغانستان قبل نهاية عام 2011، من دون أن ينهار نظام قرضاى أو يقع فى قبضة طالبان وأسامة بن لادن.

لكن، هل هذا ممكن؟

فى الإجابة عن هذا السؤال يكمن ليس فقط مصير الحرب فى أفغانستان بل مصير أوباما السياسى نفسه برمته.

هل نسينا شيئا ما هنا؟

بالتأكيد. إنها وعود أوباما بإعادة تحريك مبادراته السلمية فى فلسطين ومع العالم الإسلامى، فور انتهائه من معركة الإصلاح الصحى. فهل يفعل؟

الصحف الإسرائيلية تقول إنه ينوى أن يفعل ذلك، عبر طرح مبادرة سلمية لتسهيل قيام دولة فلسطينية خلال سنتين، ثم تحميل الطرفين العربى والإسرائيلى مسئولية الفشل أو النجاح فى تنفيذ هذه الخطة.

هذه المبادرة، فى حال إطلاقها، ستكون مرة أخرى خطوة «عبقرية» لا «غبية»، لأنها (كما الرقصة التى يقوم بها أوباما فى العراق وأفغانستان) تقوم على مبدأ الانقضاض الحاسم ثم الانسحاب المنّظم.

* * *

كل هذه التطورات العراقية والعربية والأمريكية لم تنزل بأى حال بردا وسلاما على قلب طهران، خصوصا العراقية والسورية والأمريكية لأنها قد تعنى، كما ألمعنا، بداية العد العكسى لـ«إعادة الثعلب إلى وكره تمهيدا لمحاصرته»، على حد تعبير مسئول بريطانى.

وهذا ما يجعل الآن أجراس الإنذار تقرع بقوة هذه الأيام فى طهران.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved