قتلناه.. فهل نحييه؟

عبد الرحمن يوسف
عبد الرحمن يوسف

آخر تحديث: السبت 4 مايو 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

اغتيل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة فجر الإثنين 14 جمادى الأولى الموافق 2 مايو 2011 فى «أبوت آباد» الواقعة على بعد 120 كم عن إسلام أباد، وذلك فى عملية نوعية أشرفت عليها وكالة الاستخبارات الأمريكية ونفذها الجيش الأمريكى واستغرقت 40 دقيقة. داهمت القوات الأمريكية الخاصة «تدعى السيلز» مجمعا سكنيا كان يقيم به أسامة بن لادن مع زوجاته وأبنائه.

 

دار اشتباك عنيف بين بن لادن ورجاله وبين القوات الأمريكية المصحوبة بعناصر من الاستخبارات الباكستانية، وفى النهاية قتل بن لادن بطلقة فى رأسه، وقد تمكن المدافعون من إسقاط إحدى المروحيات الأربع التى هاجمت المنزل.

 

بغض النظر عن دقة الحكاية، إذ من الوارد أن يكون بها بعض البهارات الإعلامية إلا أن ما حصل قد حصل، فقد تمكن الأمريكان من قتل أسامة بن لادن فى مثل هذا اليوم (تقريبا) منذ عامين.

 

حين وصلنى الخبر قلت لمن حولى: «نحن قتلناه، وليس أمريكا»!

 

كنت أقصد أن «بن لادن» فكرة، خلاصتها التغيير بالعنف، ونحن أقصد الشعوب العربية التى ثارت ضد الحكام الظلمة فى تونس ومصر وسوريا وليبيا، قتلنا فكرة التغيير بالعنف بثوراتنا الشعبية السلمية.

 

مرت الأيام، وأخرج جراب الزمن بعضا مما فيه من الحيل والألاعيب والمنح والمحن، وبدأ كثير من الذين هتفوا يوما ما «سلمية»... بدؤوا يتعلمون «كيف تصنع المولوتوف فى نصف دقيقة وبدون معلم»!

 

نحن فى أيام صعبة، وأفكارنا تختبر بشكل شديد القسوة، والقابض على فكرته الثورية النقية السلمية كالقابض على الجمر.

 

أزعم أننى من هؤلاء، وليس ارتباطى بفكرة التغيير السلمى ارتباطا عاطفيا، بل هو ارتباط علمى عملى، لأن البحث العلمى الدؤوب أثبت أن التغيير بالعنف غير مجد، ولا يزيد الأنظمة الاستبدادية إلا بطشا واستبدادا، وأن التغيير بالطرق السلمية يجبر النظام المستبد على اللعب على أرضية ملعب لم يجربها من قبل، بقواعد لا يعرفها، وأمام فريق لم يواجهه قبل ذلك، ولا قبل له به، ملايين البشر، يقفون فى عشرات المدن، ويحرمونه فرصة استخدام أسلحة العنف التى لا يتقن سواها.

 

اليوم... ومع تعالى صراخ المتشنجين الذين ينادون بالعنف دون وعى، ودون حساب للعواقب أتذكر أسامة بن لادن، وأتساءل: ترى هل يمكن أن نحيى اسامة بن لادن كما قتلناه؟

 

ظنى أن ذلك لن يحدث، شعبنا وشبابنا أكبر وأذكى من أن يقعوا فى هذا الفخ، ولكن بعض قصار النظر يفلسفون ويُنَظِّرون لكى يستبيح شبابنا اللجوء للعنف، مستغلين امتلاء القلوب بالإحباط، والصدور بالغل.

 

هؤلاء الذين يفتون باستخدام العنف من الليبراليين والإسلاميين يهددون الأمة المصرية والعربية كلها بالعودة لعشرات السنين للوراء، ويهددون بتدمير جيل جديد نعقد عليه آمالا كبارا، كل ذلك وهم مجموعة من أسرى الماضى، عديمى الخيال، إنهم أبناء تجربة أخرى مغايرة، والجيل الجديد يجب عليه أن يتمرد على أفكارهم البالية التى جُرِّبَتْ عشرات المرات ولم يكن لها من نتيجة سوى الخراب.

 

لقد قتلنا فكرة التغيير بالعنف، وما زلت أراها جثة هامدة، ونتمنى أن تظل كذلك.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved