عن رئاسة عون ببرنامج جعجع
صحافة عربية
آخر تحديث:
الأحد 4 مايو 2014 - 6:20 ص
بتوقيت القاهرة
يبدو السجال الدائر حول انتخابات الرئاسة فى لبنان والمسئولية عن تعطيل جلسات انتخابات الرئيس الجديد بعيدا فى الكثير من الأحيان عن حقائق الأمور التى تتصل بهذا الاستحقاق الدستورى المهم فى البلد الصغير الذى تتلاطمه الأمواج الإقليمية العالية.
فالتجارب أثبتت منذ أن بات لبنان ملعبا اقليميا قبل بضعة عقود يستخدمه هذا المحور أو ذاك فى سياق خطته فى المنطقة وجدول أعماله، إن شخص الرئيس اللبنانى ومواصفاته وهويته مرتبطة بالأجندات الخارجية. وعلى الرغم من أن الكثير من القيادات والأقطاب يردد أن ما يجرى فى المنطقة يفترض أن يكون فرصة للبنانيين كى يتفقوا على قاعدة لبننة الاستحقاق، فإن هذا الموقف الأقرب الى التمنى يبدو فى حد ذاته بحاجة إلى قرار إقليمى ودولى أيضا. فالخارج الذى انغمس فى التفاصيل اللبنانية وفى هوية السلطة السياسية ما زال فى طور التنافس على انتزاع النفوذ فيها، لمصلحة أجندة هذا أو ذاك، مجبر على حد أدنى من التوافق بين أطرافه المتنازعة، على قدر «اللبننة» المتاحة وعلى السماح للبنانيين بأن يستقلوا فى جانب من إدارة شئونهم.
وعجز البرلمان عن انتخاب الرئيس، المتوقع أن يستمر فى الجلسة النيابية الثالثة يعود إلى أن هذا التوافق الإقليمى الدولى على هوية الرئيس العتيد غير متوافر حتى الآن. بل إن التعطيل الحاصل للنصاب هو تأجيل للاستحقاق، أى أن يأتى الضوء الأخضر من الخارج حول شخص الرئيس العتيد الذى سيكون رمزا لسياسة تستمر ست سنوات مقبلة، سواء كانت هذه السياسة تقوم على لبننة السلطة السياسية فى البلد أو جاءت للسماح بنسبة معينة من اللبننة، أو تتيح قدرا من تعريب هذه السلطة، بعد أن سعى محور بعينه هو المحور السورى ــ الإيرانى إلى الاحتفاظ باليد الطولى فيها. هل انتبه هذا المحور إلى أن استخدامه لبنان ساحة، قاده إلى حافة الانفجار الأمنى والسياسى (والمذهبى) والاقتصادى (بحيث بات عاجزا عن البت فى سلسلة الرتب والرواتب مثلا) لكى يقبل بقدر من اللبننة فى السلطة والرئاسة؟ قد يكون التوافق على تأليف حكومة الرئيس تمام سلام مؤشرا إلى ذلك إذا ما أضيفت إليه التغطية التى أعطيت للخطة الأمنية التى لملمت أشلاء مناطق لبنانية عانت من الفلتان الذى كان يحصل بقرار سياسى. إلا أنه توافق لم ينسحب على موقع الرئاسة لأن الالتزامات التى يفرضها بعيدة المدى أكثر من عمر أى حكومة. وأن ينسحب هذا التوافق على الرئاسة يعنى تفاهما أمريكيا ــ فرنسيا ــ سعوديا ــ إيرانيا على هوية الرئيس وسياسته لست سنوات. فكيف يمكن التوفيق بين أدبيات الدول الأربع حول المطلوب من الرئيس العتيد: أن يقبل بإعلان بعبدا والنأى بالنفس عن الأزمة السورية وتطبيق القرارين الدوليين الرقم 1559 و1701، وأن يلتزم المقاومة ويتغاضى عن تدخلها فى سوريا لمحاربة التكفيريين.. إلخ، إذا لم يتخلَّ بعض هذه الدول عما تعتبره ثوابت؟
إذا اقتضى التفاهم الدولى الإقليمى أن تتخلى واشنطن وباريس والرياض عن ثوابتها، فهذا يعنى التوافق على رئيس يدير الأزمة بإقرار من الجميع أن عليه التكيّف مع مقتضيات تدخل «حزب الله» فى سوريا فى انتظار نضوج الظروف لمصلحة الثوابت. وإذا تخلت إيران عن ثابتة التزام الرئيس بالمقاومة، وبالتالى بما تقرره فى سوريا ولبنان، فهذا يعنى أن إيران تمهد للتفاهم مع المجتمع الدولى على ما هو أبعد من لبنان. وهذا الاحتمال لم ينضج بعد.
ليس صدفة أن المرشحين الوحيدين المعلنين اللذين يخوضان حلبة السباق الرئاسى يحملان ثوابت واشنطن وباريس والرياض، فى برنامجهما ومواقفهما، على رغم التباين بينهما حول مقاربة تحقيق هذه الثوابت، أى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وعضو «اللقاء النيابى الديمقراطى» هنرى حلو. وهو ما يحول دون نفاذ أى منهما الى الرئاسة وينذر بالفراغ.
وإذا كان الاختراق الممكن لهذا الفراغ يكمن فى انضمام داعمى جعجع الى خيار مساندة رئاسة العماد ميشال عون، فإن المنطق يقول إن هذا الاحتمال صعب التحقيق إلا إذا تبنى عون الثوابت التى تضمنها برنامج جعجع الرئاسى، فيلغى بذلك ترشيح الأخير لمصلحته، ومعه ترشيح حلو. وهذا بدوره لا يبدو متيسرا، حتى الآن، فى ظل تنبيه «حزب الله» من «أمر يدبر فى الخفاء»، ويبقى خيار التفتيش عن الرئيس الذى يدير الأزمة.