عندما حدث الانفجار المعلوماتى بفعل انتشار الإنترنت قبل سنوات قليلة مضت، تكالبت المقالات والأبحاث والكتب التى تعلن: (موت المدرسة) أو التمدرس، باعتبار أن امتياز احتكار المعلومة قد انتقل فى اتجاه معاكس من يد المعلم إلى إصبع الطالب.
كانت هناك مقاومة ضارية ضد ذلك الإعلان التشاؤمى تقول إن دور المدرسة لا ينحصر فى التعليم فقط، بل فى ما هو أهم من ذلك، فى التربية التى لا يمكن معلومات الإنترنت أن تملأ مكانها. وإن تمسَّك البعض بالمفهوم التقليدى لتوزيع المهمات التنشيئية: إذ يتولى البيت التربية، وتتولى المدرسة التعليم.
الآن، وبعد انتشار التطبيقات الجديدة لوسائل التواصل الاجتماعى بين الفتيان والشباب تغيرت المعادلة تماما، إذ لم يعد التعليم ولا التربية بيد المدرسة ولا البيت، بل بيد مشاهير الإعلام الجديد والشخصيات المؤثرة فيه.
باتت المقاطع اليومية، بل اللحظية التى يبثها (السنابشاتيون) هى (الحصص) التى يواظب على حضورها الشباب، بل والانغماس فى أجوائها ودقائقها الإيحائية من دون جدران أو أسوار تحيط بهذا التمدرس الافتراضى اللاوعى.
شاهدت، بمنتهى الهلع والقلق، فيلما تبثه إحدى وسائل الإعلام الجديد يتحدث عن فوائد تعاطى الحشيش والماريجوانا، وآثارهما الفعالة فى مكافحة السرطان وأزمة الربو وتساقط الشعر والضعف الجنسى ونوبات الصرع وارتفاع السكر فى الدم ومرض الزهايمر، كما تساعد فى خفض الوزن وفى الوقت ذاته تساعد فى فتح الشهية (هكذا قال التقرير)!.
التقرير عُرض بطريقة مشوقة وسلسة، لا بد أن خلف تمويله ورعايته تاجر مخدرات ذا حس إعلامى وإعلانى رفيع!
وحتى يكتسب التقرير صدقية مخادعة، فإنه يختتم بالقول: «لكن، لا تنس فالحشيش يسبب الإدمان أيضا».
تقريرٌ مثل هذا، لا تتجاوز مدته دقيقة ونصف، سيبطل مفعول حصص دراسية عدة، وحملات مكافحة مخدرات حكومية متينة، وقد يعطل مفعول توجيهات أبوية متوالية من الوالدين فى البيت. سيتم ذلك تحت حجة سلوكية شاعت الآن بلا حدود، هى: التجريب، «لا تقبل أيها الشاب العصرى أن يفرض عليك أحد أى منع أو توجيه أو تحذير، بل (جرب) أنت بنفسك ثم قرر». قد ينفع هذا المبدأ السلوكى لتحديد الموقف من أشياء كثيرة، لكنه للأسف لا يصلح للمخدرات.
أسوق هذا النموذج الترويجى المثير للقلق، كى أستدل به على أن أركان التأثير التربوى الثلاثة: البيت، المدرسة والأصدقاء، قد تغير حجم تأثيرها ونفوذها، ففى حين ضَعُف تأثير البيت والمدرسة، فقد ازدادت قوة الأصدقاء ــ الشركاء فى اختيارات رموز ومقاطع (السوشيال ميديا).
فى ظل ضعف قدرتنا على تربية أبنائنا، فلنعوّض ذلك بتربية أصدقائهم (!) من خلال محاولة حُسن اختيارهم.