دراما رمضان.. مرايا المجتمع
سيد محمود
آخر تحديث:
الثلاثاء 4 مايو 2021 - 8:00 م
بتوقيت القاهرة
تمثل الدراما التلفزيونية، مدخلا مهما لفهم التحولات التى يعيشها أى مجتمع وعلى هذا الأساس نالت اهتماما من كبار نقاد العالم وعلى رأسهم الناقد الإنجليزى البارز رايموند ويليامز (1921ــ 1988) الذى كان أحد أعلام مدرسة النقد الثقافى وأولى عناية كبيرة فى مؤلفاته بالتلفزيون والمجتمع، وتحدث عما يسميه (الثقافة المشتركة) التى يمكن خلقها بفضل هذا النوع من الصناعات الإبداعية وركز كثيرا على القيم الثقافية المشتركة التى تنقلها الميديا على اختلاف أنواعها.
وبفضل مسلسلات مثل «ليالى الحلمية» و«دموع فى عيون وقحة» أو «الحب وأشياء أخرى» و«رأفت الهجان» و«الراية البيضاء» و«بوابة الحلوانى» تأسست لدى أبناء جيلى هذه الذاكرة المشتركة التى لم يعد لها وجود الآن، لأن منصات العرض تنوعت واختلفت طوال العشرين عاما الأخيرة.
وميزة الدراما التلفزيونية أنها تجدد الجدل حول بعض القضايا والأفكار والنجوم والنجمات وجرت العادة أن يكون الموسم الرمضانى منصة إطلاق للعديد من الكوادر الفنية التى تهيمن على هذا السوق الذى ساهم تاريخيا فى تأكيد حضور «اللهجة المصرية» لتبدو وكأنها اللهجة المهيمنة عربيا.
وبعد ثلاثة أسابيع من الشهر الكريم بدا واضحا أن هذا العام شهد تراجعا فى حصة المؤلفين من النجاح، فلم يعد المشاهد يمنح ثقته لأسماء بعينها كما كان يفعل فى السابق، بل تراجع حماسه للأسماء التى تألقت فى السابق، وأظهر إنتاجها اضطرابا واضحا بين أصالة عالمها الفنى الذى كانت تعرفه والمساحة الجديدة التى خاضت فيها ولم تتقدم إلى الأمام خطوة واحدة، ربما لأن معايير السوق اختلفت وغيرت فى إنتاج المحتوى وطبيعته ومن ثم اختلت رؤيتها الفنية.
ومن ناحية أثبت الموسم حاجة جهات الإنتاج لتبنى خطة تغيير شاملة لصيغ إنتاج مسلسلات فى 30 حلقة ولاحت هذا العام بوادر لكسر هذا النظام الحديدى مع مسلسلى كوفيد أو «خلى بالك من زيزى» ولعلها تنجح فى المواسم المقبلة.
والشاهد أن دراما هذا العام كانت دراما مخرجين، بامتياز فقد لمعت أسماء أولها كريم الشناوى، مخرج (خلى بالك من زيزى) وأحمد خالد (ضد الكسر) ومحمد سلامة (موسى) وأحمد علاء الديب (هجمة مرتدة) وبيتر ميمى فى (الاختيار 2) ومهما تباينت مستويات النصوص التى اشتغل عليها هؤلاء نتيجة تورط بعضها فى فضاء الاستقطاب الفكرى والسياسى، فقد ظهر تفوق المخرجين على صعيد التكنيك وأساليب السرد البصرى وطرق تكوين الصورة وابتكار الحلول.
وغرد تامر محسن فى سماء تخصه وأثبت جدارته كمخرج متميز بفضل سعيه الرئيسى للعمل على موضوعات مغايرة والتفاته للمسكوت عنه فى صلب الحياة الاجتماعية وبفضل فهمه العميق لخريطة تحولات المجتمع المصرى عبر نصف قرن نجح فى بناء محتوى مغاير لما هو مطروح فى الفضاء الدرامى كله.
وعلى الرغم من هنات فى الكتابة وعجز عن ابتكار الحلول الدرامية التى تساهم فى تطوير منطق مقبول للأحداث إلا أنه نجح تماما فى استعادة جمهوره فى النصف الثانى من رمضان وحافظ على لهفة مشاهديه لمتابعة مصائر أبطاله بعد أن رسم حدود ملعبه فى تقصى مصائر أربع شخصيات رئيسية هى هنا وحازم ومؤنس وبدر وجانب رئيس فى تميز تامر محسن جاء من اشتغاله على الممثلين الذين ارتفع أداؤهم إلى آفاق جديدة وبالأخص منى زكى ومحمد فراج وعائشة بن أحمد والوجه الجديد ميار السيد.
والملاحظة الأخيرة التى يمكن التوقف أمامها بشأن دراما هذا الموسم تتعلق بصعوبة الحديث عن مسلسل جامع مانع، فالتنوع فى الموضوعات وطرق الأداء أوجد بالضرورة تنوعا فى الجمهور بحيث لم يعد من السهل حصره فى فئة واحدة كما كان الحال فى الماضى، فلا تزال الدراما الشعبية التى تحصر نفسها حول فكرة البطل «شجيع السيما» لها قبول جماهيرى واسع ولا يزال نجاح ممثل مثل يوسف الشريف بما يقدمه من أفكار وموضوعات ونمط سلوكى يبدو محافظا بحاجة أيضا إلى تحليل يكشف عن الحاجات التى يلبيها وهو يكمل الأثر الذى تركته لدى الأجيال الجديدة الروايات المنتسبة إلى (الديستوبيا أو أدب الخيال العلمى) ومهما اختلف الناس فى تقييم ممارسات محمد رمضان إلا أن ما لا يمكن إنكاره كونه النجم الأكثر سعيا للمغامرة، والرهان على ضمان أعلى مستويات الإجادة فى مختلف عناصر العمل الفنى الذى يلعب بطولته وهى مسألة جديرة بالتشجيع.