دول عند حافة الهاوية

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الإثنين 4 يونيو 2012 - 8:20 ص بتوقيت القاهرة

وجوم وإحباط وشعور بالخيانة وحديث مؤامرة وجلد للذات وإحساس بالإهانة وخوف من انتقام قوى الأمن وميليشيات النظام والعودة إلى إرهاب الدولة،  بمعنى آخر الثورة المضادة فى مصر تتقدم، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، تحفز وغليان وغضب ورغبة متصاعدة لاستخدام أساليب أخرى فى المواجهة ونساء يتصدرن ورجال يتنمرون وجهود للم الانفراط وإعادة الالتحام، بمعنى آخر، الثورة فى مصر تتقدم.

 

هنا، كما هناك، أخطأت الشعوب حين استسلمت لتجارب أجرتها النخب الحاكمة لتلهى شعوبها فتسكت عن أفكار تضاعف ثروات الطبقة الحاكمة وامتيازاتها، وتضاعف أرقام البطالة وأحوال الفقر فى مجتمعاتها. هنا، كما هناك، تفاقمت المشكلة فنشبت فى هذه الدولة ثورة وفى الأخرى انتفاضة وفى الثالثة احتلال للميادين وحصار لأسواق المال والمصارف وفى الرابعة مظاهرات تكاد تكون متواصلة وفى الخامسة عدم استقرار سياسى وفى السادسة انقلاب عسكرى وفى السابعة تجهيزات على قدم وساق لحرب أهلية وفى الثامنة حتى الخامسة عشرة حكومات ترشى أو تخدع شعوبها وشعوب تغلى بالخوف من مستقبل غامض واحتمالات أزمة عالمية جارفة.

 

●●●

 

لا مبالغة شديدة فى القول بأن الغرب كله، ولا أقول أغلبه، فى خطر. وحين نقول الغرب فى خطر نعنى أن البشرية، كما نعرفها معرضة لأخطار جسام. فالغرب هو ببساطة الحضارة التى نعيش فى ظلها. هو السلاح الذى نشتريه لندافع به عن أنفسنا، والغرب هو صانع الرفاهة والمصدر الأساسى لأدوات التسلية والترفيه وهو المعمل الذى تجرى فيه معظم تجارب صناعة الأدوية واكتشاف الأمراض، هناك فى الغرب مازال العلم يتأصل ويتجدد.

 

ومن هناك نستورد فصولا كاملة أو فقرات عديدة من منظومته للأخلاق والقيم، نرفض الكثير منها قولا ونكتب ونبشر ضدها وننفذها فعلا وممارسة، بل ونبعث بأولادنا، أى بأجيالنا القادمة إلى هناك لنصقل مواهبهم ونرفع مراتبهم وينتهوا رموزا نفخر بهم وهم يحصدون جوائز التفوق والتقدم.

 

هذا الغرب فى خطر. نأخذ اليونان مثالا. لليونان فى الغرب تاريخ ومكانة فهى مهد هذه الحضارة الغربية. فى أثينا انبعثت أفكار الديمقراطية وحقوق الشعب فى أن يحكم نفسه بنفسه، وانبعثت أيضا، وبدون سابقة، أفكار حرية التعبير والعقيدة. أثينا فخر الحضارة المعاصرة ومهدها، هى الآن فى مأزق يشد حثيثا، لكن بإصرار، معظم دول أوروبا إلى حافة هاوية تقف عليها اليونان.

 

●●●

 

تقف على حافة السقوط فى هذه الهاوية إسبانيا التى أسقط شعبها العام الماضى حكومة اشتراكية وجاء بحكومة يمينية لتجرب فرض تقشف أشد على شعب يعانى منذ سنوات متاعب الرأسمالية المتوحشة. مرت شهور ولم يتحمل الشعب الإسبانى بخاصة عندما اتضح له أن اقتصاد بلاده يحتاج إنقاذه إلى أموال لا يستطيع دفعها أغنى دول القارة، وأن أكثر من مائة مليار يورو من استثمارات القطاعات المالية هربت من البلاد بحجة أنها جبانة، لا يهمها وطن أو شعب أو دين.

 

أما فى إيطاليا، التى اختارت أن يحل السنيور مونتى صاحب المواهب والخبرات الاقتصادية المعروفة محل السنيور برلسكونى صاحب الشهوات والثروات المعروفة أيضا، فقد عادت بعد شهور معدودة لتجد نفسها تقف على حافة الفوهة نفسها، فوهة مستقبل غامض لا يعلم أحد ما يخبئ من مفاجآت لإيطاليا وجاراتها، المثير فى الأمر أن الرجل الذى قاد إيطاليا لسنوات حتى وصلت إلى هذه الحافة هو الآن يسعى لتغيير دستور بلاده ليتسع له منصب رئاسة الجمهورية الإيطالية ليستكمل النهب.

 

●●●

 

تقود الولايات المتحدة هذا الغرب المنحدر اجتماعيا واقتصاديا، وهى نفسها تمر بلحظات يقول الاقتصاديون الأمريكيون إنها من بين الأسوأ فى تاريخ أمريكا. يدعونا الإنصاف إلى الاعتراف بأن أوباما ليس مسئولا عن نشأة الأزمة المالية والاقتصادية فى أمريكا، لكنه مسئول عن سوء إدارتها وعن خضوعه لسيطرة المصارف وبيوت المال. وللإنصاف أيضا يجب الاعتراف بأن الحملة الأمريكية على المسئولين الأوروبيين بحجة أن استمرار أزمة اليورو يطيل فى عمر الأزمة الأمريكية، حملة مبالغ فيها.

 

حول مسئولية اليورو يقول الكاتب الاقتصادى المعروف صامويلسون إن اليورو، فى الأصل «فكرة سخيفة بشكل مخيف» وإنه لا أحد فى أوروبا يستطيع الآن الهرب من مسئولية ما وصلت إليه أزمة منطقة اليورو. يقول أيضا أن نزوح اليونان من منطقة اليورو سوف يكون له وقع الكارثة على اليونان ومنطقة اليورو بأسرها والغرب بشكل عام، عملا بالمبدأ المتعارف عليه منذ فجر عصر النهضة، والقائل بأن «ما يحدث فى أوروبا لا يبقى فى أوروبا».

 

لا نقف وحدنا على حافة هاوية لا نعرف عمقها وأهوال ما يختفى فى هذه الأعماق. معنا الغرب بأسره، ومعنا أيضا الصين التى تواجه منذ أسابيع، ولأول مرة منذ أن استأنفت ثورتها بعد رحيل ماوتسى تونج، أى منذ ثلاثين عاما، متاعب سياسية واجتماعية واقتصادية كثيرة، بعضها متأثر حتما بالأزمة الاقتصادية العالمية، ولكن أكثرها ناتج عن سرعة وضخامة النمو خلال العقود الثلاثة الماضية.

 

●●●

 

لم يعد مستساغا للإنسان الصينى الجديد الذى ينتج لشعوب العالم أجمع حاجتها أن يعيش محروما من حقه فى المشاركة السياسية ومواجهة الفساد الذى استشرى. لم يعد ممكنا للصين تجاهل الضغوط الخارجية لتحرير سياستها الداخلية، خاصة أنها الدولة  المستفيدة بدرجة عظمى من العولمة. لم يعد ممكنا الاستمرار فى انتهاج سياسات انتقائية، تنتقى من العولمة ما يفيدها اقتصاديا وترفض ما يقيد حريتها سياسيا.. نسمع الآن من الصينيين من يحذر من احتمال العودة إلى الثورة الثقافية، أو احتمال نشوب ثورة أخرى ليست أقل خطورة وتاريخية، وهى ثورة الوافدين من الريف إلى المدن، وهؤلاء يعدون بمئات الملايين.

 

●●●

 

ثورة أخرى كان الظن أنها خبت أو انطفأت، وهى ثورة السكان الأصليين فى بيرو فى أمريكا اللاتينية، فلسنوات عديدة نشبت فى بيرو ثورة قادتها مجموعات من الشباب المنتمى للأفكار الماوية، ولم تهدأ إلا بعد تقديم الحكومات المتعاقبة تنازلات ضخمة وأقامت مشاريع استخراجية وتنموية فى أقاليم الثورة. ولكن يبدو أن شعوب جبال الآنديز اكتشفت أن الشركات الاحتكارية الكبرى انتهزت فرصة هدوء الثورة وعودة الاستقرار، لتمارس هيمنة اقتصادية واستغلال ثروات البلاد من النحاس والذهب والفضة وعادت تميز ضد الشعوب الأصلية، وقد خرج أويانتا هومالا رئيس الجمهورية منذ يومين بتصريح اتهم فيه حركة «الأرض والكرامة» التى يرأسها قس يدعى ماركو آراتا بوقف عمليات التعدين منذ نوفمبر الماضى. يرد القس بأن العالم يتجاهل حقيقة أن فى بيرو 171 نزاعا مسلحا. الشعب يريد أن يحصل على 30٪ من دخل الشركات الأمريكية الكبرى العاملة فى أراضيه رافضا نسبة 3٪ المقررة الآن.

 

●●●

 

الكرامة، شعار يرفعه المنشقون فى الصين، والمتظاهرون فى روسيا، والمعارضون لحكومة أردوغان فى تركيا المتهمة باستخدام أساليب عنيفة فى الحكم والتدخل فى الشئون الخاصة للمواطنين، فالحزب يريد أطفالا أكثر بينما الغالبية من سكان المدن يرفضون التدخل فى حياتهم الخاصة. الكرامة شعار رفعه ثوار مصر ويرفعه المتظاهرون فى شوارع اليونان وإسبانيا والبرتغال، ويلوح به الهنود والبرازيليون، بخاصة الطبقات التى لم تصل إليها أرقام النمو الاقتصادى قبل أن يتوقف صعودها.

 

●●●

 

لسنا الشعب الوحيد الذى قاده نظام حكم «مستعلى» إلى حافة الهاوية، لا النظام قادر على سد الهوة السحيقة، ولا هو جاهز ليترك غيره يسد الهاوية أو يبتعد بالشعب عن حافتها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved