حكمت المحكمة
عمرو خفاجى
آخر تحديث:
الأربعاء 20 نوفمبر 2013 - 7:15 م
بتوقيت القاهرة
تسابق الجميع فور إعلان حكم المحكمة الدستورية، أمس الأول (الأحد) بالتشكيك فى الحكم، وبالتحديد فى اتهامها بالتسييس، سواء من فى السلطة ومعهم كل الذين يؤيدونهم، أو الذين يعارضون هذه السلطة، وللدقة فإن الدكتور محمد البرادعى ربما كان الوحيد الذى أشار إلى ضرورة العودة لمسار قانونى منضبط واقترح ذلك على السلطة ناصحا ومطالبا من أجل العودة للعمل فى بيئة سياسية شرعية وفى ظل قوانين غير مطعون بها.
الدستورية العليا قضت ببطلان قوانين انتخابات الشورى، وتشكيل التأسيسية، واستخدام الرئيس للطوارئ، فى ذات اللحظة التى نبهت فيها على ضرورة استمرار الشورى فى التشريع، لحين انعقاد برلمان جديد، حتى لا يحدث فراغ تشريعى، وهو حكم لم يعجب جميع الأطراف كما شاهدنا، وتابعنا فور صدوره، وهذا حق للفريقين، خاصة أن هذه الأحكام، رغم صدورها من جهة قانونية، صاحبة التأثير الأكبر فى الحياة السياسية، بل هى ــ تقريبا ــ التى تحدد خطوط الصراع وتصنع عناوينه.
لكن الجميع، الموافقون للسطة والمعترضون عليها، تدافعوا للنيل من المحكمة ذاتها، بتعليقات وتلميحات وإشارات واضحة، إلى أن الحكم سياسى، بل ذهب البعض إلى اعتباره حكما مطبوخا فى أروقة النظام، مقابل ذهاب البعض الآخر إلى أن الحكم صدر كاستمرار لموقف المحكمة المتآمر ضد النظام، ولم يشغل أحد باله بأن المحكمة قضت وفقا لمقتضيات وظيفتها، والتزامها بالدستور، إلى جانب مواءمة الحكم بالواقع، فهى تنتمى إلى ما يطلق عليه، محكمة مواءمات.
ليس فى صالح أحد، لا الحكومة ولا المعارضة، أن يتم التشكيك فى المحكمة نفسها، سواء كانت الدستورية أو النقض، أو أى هيئة قضائية، وهذا ما تعترض عليه بشدة، بل وتجرمه، معظم الأنظمة القضائية فى العالم، لأن المحاكم تحكم بالقوانين والدساتير، ولها مرجعياتها الواضحة، وحتى ولو كانت تحكم فى قضايا سياسية بامتياز، فإن أحكامها تلتزم بالقوانين بامتياز، ومن لا يفهم ذلك، عليه أن يفهم أن هذه خطايا الساسة الذين قرورا التشريع وفقا لأهوائهم ولم يلتزموا بالدستور والقانون.
والمؤلم أن البعض استقبل حكم بطلان قانون انتخابات الشورى بدهشة واستنكار وكأن الدستورية لم تتعلم الدرس بعد حكمها ببطلان قانون مجلس الشعب (رغم أنه نفس القانون)، وبعد أن عاقبها من بيده الأمر بتخفيض عدد أعضائها، ثم التهديد بتعديل قانون تشكيلها واستبعاد جميع أعضائها كما تسرب قبل أيام من جلسة إعلان الحكم، إلى جانب أن تعديلات قانون السلطة القضائية (الذى يناقشه الشورى الآن ويستعد لإقراره) يتضمن الحديث عن أجور المحكمة الدستورية وضرورة مساواة كل القضاة بهم، زيادة أو نقصان، الله أعلم، فهذا متروك للمشرعين الجدد.
الدستورية، وغيرها من المحاكم، لا تخطط للسياسة بل تفصل فى قضايا، وعلى الساسة جر نزاعاتهم، بعيدا عن ساحة القضاء، لأن عبارة «القضاء هو الضمانة» حق وحقيقة لا يجوز العبث بهما، بل لا ينبغى الاقتراب منهما أصلا، وإن كان هناك قضاة ــ من وجهة نظر البعض ــ يمارسون السياسة، فهذا لا يعنى أبدا أن القضاء مسيس، بل يعنى صراحة أن السياسة منفلتة وجامحة وتلعب فى المحظور وجرت هؤلاء القضاة إلى حظيرتها المحرمة عليهم، وإن كان الساسة مخلصين، كما يدعون، فعليهم العمل بجدية من أجل أن تعود القدسية للعبارة الخالدة: حكمت المحكمة.