مصر والسودان.. والعلاقات المقدسة!!
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الأحد 4 يونيو 2017 - 9:10 م
بتوقيت القاهرة
ظهر يوم السبت الماضى قال البروفيسور إبراهيم غندور وزير الخارجية السودانى خلال مؤتمره الصحفى مع السفير سامح شكرى وزير الخارجية إن العلاقات بين مصر والسودان مقدسة، ورد عليه شكرى بتعبيرات مماثلة.
أدرى أن كلام الوزير السودانى وراءه حسن النية، وكذلك كل المسئولين المصريين، لكن وعلى حد علمى لا توجد علاقات مقدسة حتى بين الأزواج أحيانا فما بالكم بين الدول؟!
كنت سعيدا بزيارة الوزير السودانى لانها ستضع حدا للتدهور الذى طال علاقات البلدية فى الشهور الأخيرة، وكاد يصل بها إلى نقطة خطيرة.
لكن السعادة شىء، ومواجهة أصل المشكلة شىء آخر. التناقض ما بين الأقوال والأفعال هو إحدى سمات العلاقات العربية وما لم نتخلص من هذه الآفة، فسوف نظل غارقين فى نفس الدوامة.
قبل التهدئة وزيارة وزير الخارجية وصلت العلاقات لمرحلة حرجة تمثلت فى خروج الرئيس البشير لانتقاد مصر علنا فى أكثر من محفل آخرها اتهامه بأنها تسلح متمردى دارفور، فى حين أن الغضب المصرى الرسمى من الحكومة السودانية متنوع ويبدأ من استضافة كوادر إخوانية متهمة بالعنف والإرهاب، نهاية بمساعدة المتطرفين فى ليبيا، مرورا باتخاذ إجراءات عقابية بحق المصريين فى السودان وفرض تأشيرات دخول عليهم وحظر دخول المنتجات المصرية.
كان هناك أيضا شعور مصرى بأن الحكومة السودانية تستقوى بقطر لمكايدة مصر، بل وتنسق مع إثيوبيا وتوقع معها اتفاقيات أمنية فى اللحظة التى ما تزال فيها أديس أبابا تعاندنا فى ملف سد النهضة وتأليب بقية دول حوض النيل على عدم الاستجابة للمطالب المصرية فيما يتعلق باتفاقية عنتيبى.
بالطبع تنكر الحكومة السودانية كل هذه الاتهامات والشكوك، وبغض النظر عن الحقيقة، فنحن هنا نتحدث عن الآليات التى يفترض أن تحكم العلاقات بين البلدين. أصل المشكلة أن هناك خلافات حقيقية بين البلدين فى العديد من الملفات، وبالتالى فإن وزير الخارجية السودانى قد جانبه الصواب تماما حينما قال إنه يتمنى من الإعلام والإعلاميين أن يكونوا جنود خير وان يحافظوا على العلاقات. ما قاله غندور كرره مسئولون مصريون فى اكثر من مناسبة. لكن الحقيقة هى الإعلام ليس سبب الأزمة، بل هو عاكس لها.
قد تكون هناك اصوات اعلامية منفلتة هنا وهناك، لكن سبب الأزمة الفعلى هو الخلافات بشأن بعض السياسات والتوجهات. والإعلام لم يجبر الرئيس البشير مثلا على الخروج والإدلاء بحوارات تلفزيونية يتهم فيها مصر باتهامات متعددة، والإعلام لم يكن متجنيا حينما نقل تصريحات وزير الإعلام السودانى بأن الأهرامات سودانية وأن أصل الحضارة الفرعونية سودانى!!!!.
الإعلام ينقل الأخبار ولا يصنعها. وحتى التسريبات التى ينشرها يكون مصدرها السياسيون وليس العكس، وبالتالى فإلقاء المشكلة كلها على شماعة الإعلام لن يحلها بل قد يفاقمها للأسف.
مرة أخرى جيد أن يزورنا الوزير السودانى إبراهيم غندور. وجيد أن يقال كلام كثير عن طى صفحة الخلاف والتوتر. وقد استمعت بالفعل إلى كلمات طيبة وعاقلة من السفير السودانى بالقاهرة عبدالمحمود عبدالحليم قبل نحو أسبوع خلاصتها ان العلاقات سوف تتحسن لأن البلدين لا يملكان ترف الخلافات، وكان يتمنى وقتها أن تنعقد كل اللجان المشتركة خصوصا الامنية لانهاء كل المخاوف المصرية فى هذا الصدد.
المهم علينا أن نتعلم آداب الخلافات وألا نسمح لأنفسنا فى مصر والسودان بوصول العلاقات إلى مرحلة الخطر. إذا حدث ذلك فسوف يكون ضارا ومدمرا للبلدين، ولن يخرج احد كاسبا. علينا أن نحصر الخلافات بين الحكومتين ونناقشها بالعقل، وألا ننغمس نحن الشعوب فى خلافات الحكومتين على طريقة «داحس والغبراء». علينا أن نتعلم أن نكون منطقيين ونتوقف عن ترديد كلمات مثل مقدسة و«أزلية». وعلى حد تعبير أحد الأصدقاء المتابعين لملف العلاقات المصرية السودانية فإن تفسير كلمة «أزلية» الآن على أرض الواقع هى «أذى لى وأذى لك»!. فمتى نوقف ايذاء أنفسنا؟!.