وفاة خالد سعيد أو رفع كلفة التعذيب داخليًا وخارجيًا
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الأحد 4 يوليه 2010 - 9:48 ص
بتوقيت القاهرة
تعامل المجتمع المدنى بإيجابية وفاعلية مبهرة مع حادثة وفاة الشاب خالد سعيد والذى ثبت تعرضه للتعذيب من قبل بعض عناصر الشرطة فى مدينة الإسكندرية. فالوقفات الاحتجاجية والتظاهرات التى نظمتها مراكز الدفاع عن حقوق الإنسان وشبكات النشطاء كحركة شباب 6 أبريل وكذلك بيانات التنديد التى صدرت عن معظم أحزاب المعارضة أجبرت السلطات على إعادة التحقيق فى ملابسات وفاة سعيد ورتبت وضع الشرطيين المشتبه فى قيامهما بتعذيبه قبل الوفاة قيد الحبس الاحتياطى.
وأحسب أن إيجابية وفاعلية المجتمع المدنى هاتين تحملان العديد من الإيجابيات، على الرغم من تخوف البعض بأن استجابة السلطات لمطالب المجتمع المدنى لن يطول أمدها وستنتهى بتكتم سريع على نتائج التحقيق بمجرد انزواء الاهتمام الإعلامى بالحادثة وقناعة البعض الآخر بأن ممارسات التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان التى تتورط بها بصورة دورية بعض عناصر الشرطة المصرية ليست فى سبيلها إلى الزوال أو التراجع الحقيقى مادامت ولاية قانون الطوارئ مستمرة واستمر غياب رغبة نظام الحكم فى وقف التعذيب والانتهاكات.
فالمؤكد أن تفاعلات وتداعيات حادثة خالد سعيد أثبتت لقيادات وزارة الداخلية، وبمعزل عن أى اعتبارات إنسانية، أن الكلفة السياسية لتورط عناصر الشرطة فى ممارسات تعذيب وانتهاكات منظمة لحقوق الإنسان بدأت فى التصاعد إلى حدود غير مسبوقة تدعو إلى إعادة النظر فى جدوى التعذيب والانتهاكات وربما الحد منها. ومصدر تصاعد الكلفة السياسية هنا هو نجاح مراكز الدفاع عن حقوق الإنسان وغيرها من منظمات المجتمع المدنى، وبعد عمل تراكمى على مدى العقود الثلاثة الماضية وفى ظروف صعبة، فى تحويل التعذيب والانتهاكات إلى قضايا تشغل الرأى العام وتناقشها باهتمام النخب السياسية والفكرية والإعلامية.
اليوم لم يعد المصريون يتجاذبون أطراف الحديث عن شائعات تعذيب المعتقلين السياسيين فى أقسام الشرطة وفى السجون، بل باتوا يتبادلون تسجيلات صوتية ومرئية تظهر تورط بعض عناصر الشرطة فى تعذيب مواطنين، فى كثير من الأحيان لا علاقة لهم بالسياسة ومساراتها. اليوم أيضا، وبعد أن أصبحت التقارير الدورية لمراكز الدفاع عن حقوق الإنسان تتابع من قبل الإعلام ويشار إليها بالمهنية التى تستأهلها وبعد أن انضم المجلس القومى لحقوق الإنسان (المؤسس بمبادرة حكومية) إلى الركب بإصدار تقرير سنوى به من الحيادية والموضوعية الشىء الكثير، لم يعد بإمكان الداخلية أن تواصل نفيها «جملة وتفصيلا» لتورطها فى التعذيب والانتهاكات وانتقلت تدريجيا من موقع «النفى الدائم» إلى موقع «الاستجابة الجزئية» وبه انفتحت الداخلية على تنظيم دورات لعناصر الشرطة حول كيفية احترام حقوق الإنسان، وكذلك قبلت ــ وهو الأهم ــ التحقيق مع بعض العناصر المتورطة ووافقت على عقوبات حبس وسجن بحقهم.
إلا أن حادثة خالد سعيد لم تظهر فقط تصاعد الكلفة السياسية للتعذيب محليا فى مصر، بل دللت على حضور كلفة سلبية لا يستهان بها خارج الحدود المصرية. فما إن تزايد الاهتمام الحقوقى والإعلامى بالحادثة وتوالت المقالات والبيانات المنددة بها والمتهمة لعناصر الشرطة بالتسبب فى وفاة سعيد، حتى التقطت بعض الجهات الدولية الخيط وتحركت لمطالبة السلطات بإعادة التحقيق وضمان وقف ممارسات التعذيب فى مصر. الخارجية الأمريكية والبرلمان الأوروبى وسفراء دول الاتحاد الأوروبى فى القاهرة مثلت أبرز تلك الجهات الدولية وشكلت بياناتها العلنية مفاجأة غير متوقعة للسلطات. نعم اعتادت الحكومة المصرية على بعض الانتقادات المقبلة من العواصم الغربية لجهة أحكام قانون الطوارئ وأوضاع حقوق الإنسان المتردية والحياة السياسية المسيطر عليها سلطويا، إلا أن مجمل هذه الانتقادات صيغ فى لحظات حراك عام ارتبطت إما بمواسم الانتخابات أو بأحداث كبرى كالتمديد الأخير لقانون الطوارئ ولم تتعلق أبدا بحادثة، تظل على مأساويتها، فردية ولا خلفية سياسية لها.
تنديد الخارجية الأمريكية والجهات الأوروبية العلنى بوفاة سعيد ومطالبتهم بإعادة التحقيق فى ملابساتها، وهو ما دفع الخارجية المصرية لاستدعاء سفراء الاتحاد الأوروبى للاحتجاج بعصبية على ما اعتبرته تدخلا فى الشئون الداخلية، يشكل نقلة نوعية مهمة فى اهتمام الخارج بملفات التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان فى مصر. وينذر ــــ إن تواصل، وهذا بلا ريب مشروط بتواصل اهتمام المجتمع المدنى المحلى وعمله التراكمى فى هذا الصدد ــــ بتحول الخارج إلى عنصر ضغط إضافى على الحكومة المصرية يدفع لإعادة النظر فى التعذيب والانتهاكات.
أدرك جيدا أن ممارسات التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان تحولت منذ عقود طويلة إلى مكون رئيس فى دولاب العمل اليومى لبعض عناصر الشرطة و«ثقافة» تعاملهم مع المواطنين، كما أعلم أن توافر إرادة سياسية واضحة فى دوائر الحكم العليا هى شرط مركزى لإيقاف تام للتعذيب والانتهاكات. على الرغم من ذلك، يظل رفع الكلفة السياسية للتعذيب داخليا وخارجيا، وهو ما دللت عليه وأسهمت به حادثة خالد سعيد، عنصرا مهما للضغط على الحكومة المصرية للعمل على ترشيد فعل عناصر الشرطة، إن بغل أيديهم جزئيا عن التعذيب أو بالاستجابة إلى مطالب المجتمع المدنى والجهات الدولية بمحاسبة بعض منتهكى حقوق الإنسان.
فتحية لمنظمات المجتمع المدنى والإعلام المستقل على اهتمامهم جميعا بحادثة خالد سعيد ولمراكز حقوق الإنسان على عملها التراكمى والشاق، فلولا العاملون ما أعادت السلطات التحقيق فى الحادثة ولا سمعنا أصوات التنديد القادمة من الخارج. ودعونا نأمل بأن تتمكن ذات القوى الوطنية والمواطنون الجسورون، ولهؤلاء فى بعض شهود حادثة سعيد قدوة حسنة، من الاستمرار فى رفع كلفة التعذيب والانتهاكات ومن توسيع نطاق فعلهم ليشمل مجابهة انتهاك الحريات المدنية وحقوق المواطنين السياسية؛ إن كان بتزوير الانتخابات والتلاعب فى نتائجها أو بقمع المعارضين وتعقبهم.