نتنياهو يُطبّق «صفقة القرن».. مقابل التفاهم الأمريكي - الإيراني
مواقع عربية
آخر تحديث:
الثلاثاء 4 يوليه 2023 - 7:20 م
بتوقيت القاهرة
نشر موقع 180 مقالا للكاتب سميح صعب، يشير فيه إلى أن ما تشهده أرض فلسطين من قصف واعتقالات وتوسع للاستيطان ما هو إلا سياسة يتبناها نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، لقتل أى أمل فى إقامة دولة فلسطينية، وكذلك إفساد أى فرصة للتوصل إلى اتفاق بين واشنطن وطهران بشأن البرنامج النووى الإيرانى.. نعرض من المقال ما يلى.
كلما تبلورت فرص التوصل إلى تفاهم أمريكى ــ إيرانى لخفض التصعيد فى المنطقة، كلما ذهب رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى سياسة التصعيد ضد الفلسطينيين، قصفا واقتحامات وتوسيعا للاستيطان وشطبا لأى أمل فى إمكان قيام دولة فلسطينية فى المستقبل.
يعتبر نتنياهو، وهذا ما قاله صراحة، أن أمريكا تُسرّع الخطى نحو اتفاق مع إيران، كى تقطع الطريق على إسرائيل فى توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، وهى فى نظره الوسيلة الوحيدة لتدمير البرنامج النووى الإيرانى، وليس عبر العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، أو عبر اتفاقات أو تفاهمات أخرى. فى الواقع، تنطلق إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن من حقيقة أن مضى إيران فى مراكمة مخزون من اليورانيوم المخصب بنسبة نقاء 60 فى المائة، يُقرّبها أكثر من القنبلة، وأن الوقت لا يعمل لمصلحة أمريكا أو إسرائيل إذا لم يصر إلى اتفاق مع طهران يوقف التخصيب عند درجة 60 فى المائة، ولا يتجاوزها. والجزيئات التى عثر عليها مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى يناير فى منشأة فوردو وكانت درجة تخصيبها 83.7 فى المائة، شكّلت جرس إنذار بأن البرنامج النووى الإيرانى بلغ عتبة يتعين معها على أمريكا التحرك على عجل وبالطرق الدبلوماسية لاحتواء الموقف.
فى هذا السياق، أبلغ رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارك ميلى مجلس الشيوخ فى شهادة فى مارس الماضى، أن إيران «قادرة على إنتاج ما يكفى من المواد الانشطارية لصنع سلاح نووى فى فترة تتراوح ما بين عشرة وخمسة عشر يوما، وتحتاج فقط إلى بضعة أشهر لإنتاج سلاح نووى فعلى».
وبإزاء الدبلوماسية أو تفجير نزاع جديد فى الشرق الأوسط، يختار بايدن الذهاب إلى الخيار الأول. وبعد الاشتباكات بين فصائل موالية لإيران ومقتل متعاقد أمريكى فى سوريا ورد البنتاجون بقصف مواقع للفصائل العراقية أوائل العام الحالى، برزت فجأة مؤشرات من الجانبين تدل على رغبة فى خفض التصعيد. ومن هنا كان لقاء المبعوث الأمريكى للشئون الإيرانية روبرت مالى مع المندوب الإيرانى لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيروانى، بحسب ما روت صحيفة «الفايننشال تايمز» البريطانية أخيرا، قبل أن يُحال مالى أخيرا إلى تحقيق داخلى «بشأن سوء تعامله المحتمل مع وثائق سرية»، وفق البيان الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية.
ما يريده بايدن هو التوصل إلى اتفاق لخفض التصعيد، وليس اتفاقا سيضطر معه إلى الحصول على موافقة الكونجرس. وهكذا تحرك الوسيط العُمانى مستخدما «دبلوماسية تبادل السجناء» مع بلجيكا، كفاتحة للبدء فى توسيع التبادل ليشمل السجناء الأمريكيين فى إيران من حملة الجنسية المزدوجة. ومن الممكن أن تتوسع هذه الخطوات لتشمل «تفاهما» وليس اتفاقا لوقف إيران درجة التخصيب عند 60 فى المائة مع خطوات لنزع فتيل التوتر وترسيخ الهدوء فى بعض نواحى الإقليم. ويظهر هذا الهدوء أكثر ما يظهر فى العراق، الذى غابت عنه فى الأشهر الأخيرة ظاهرة إطلاق الصواريخ والمُسيرات ضد قواعد تؤوى جنودا أمريكيين. وفى المقابل، تفرج أمريكا عن أصول إيرانية فى العراق وكوريا الجنوبية ودول أخرى وتقدر قيمتها بنحو 24 مليار دولار.
• • •
رُبّ سائل هنا: لماذا تريد إيران إبرام تفاهم مع أمريكا فى وقت تتمتع فيه بعلاقات اقتصادية وسياسية ممتازة مع الصين وروسيا؟
هنا تتعين العودة إلى المصالحات التى أبرمتها طهران مع دول الخليج العربية منذ اتفاق بكين فى العاشر من مارس الماضى. اتفاقات التطبيع الإيرانية ــ الخليجية، تُحصّنها الاستثمارات والتبادلات التجارية. وهذا عامل لن يكون متوافرا فى حال بقى سيف العقوبات الأمريكى مصلتا على إيران. وحتى الكثير من الشركات الصينية تتردد فى الاستثمار فى إيران بسبب العقوبات الأمريكية. إذن الاقتصاد الإيرانى لن يشهد انتعاشا ترجوه حكومة إبراهيم رئيسى من دون تخفيف العقوبات الغربية. وقد فتح إعلان المرشد آية الله على خامنئى عن عدم الممانعة فى اتفاق مع الغرب، الباب أمام نشاط دبلوماسى فى مختلف الاتجاهات.
وإيران التى تستخلص العبر من الاحتجاجات التى تفجرت فى سبتمبر الماضى على خلفية وفاة الفتاة مهسا أمينى فى مركز للشرطة بعد توقيفها بسبب عدم ارتداء الحجاب بطريقة ملائمة، تدرك أكثر من أى وقت مضى أنه يتعين تحسين الوضع الاقتصادى فى الداخل ووقف انهيار الريال، إذا ما أرادت تفادى اندلاع احتجاجات جديدة على خلفية معيشية هذه المرة. أضف إلى ذلك أن طهران تراقب حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية التى بدأت عمليا من خلال إعلان الرئيس السابق دونالد ترامب ترشحه واعتزام بايدن أيضا أن يحذو حذوه رسميا وإن كان قد سبق أن أعلن نيته الترشيح. ترامب المحاصر بالدعاوى القضائية يتصدر منافسيه الجمهوريين. أقربهم إليه حاكم فلوريدا رون ديسانتس. لكن الفارق بينهما 30 نقطة لمصلحة الرئيس السابق. وحتى حاكم فلوريدا مشبع بالأفكار الشعبوية ولا يختلف كثيرا عن ترامب.
عودة ترامب لن تكون خبرا جيدا بالنسبة لإيران، لأنها تعنى على الأقل تشديدا للعقوبات وقد يكون أكثر تسامحا مع عمليات التخريب الإسرائيلية داخل إيران، لذلك ربما إبرام تفاهم مع بايدن الآن يعود بالفائدة ولو مؤقتا على طهران.
• • •
وإذا عكسنا السؤال، لماذا يريد بايدن تفاهما مع إيران الآن؟
ذلك عائد لجملة من الأسباب، تبدأ بعدم رغبة بايدن فى التورط فى نزاع مسلح آخر فى الشرق الأوسط، لا سيما فى ضوء استمرار الحرب الأوكرانية واحتدام التنافس مع الصين.
لذا ينصب اهتمام بايدن على نزع فتيل صراع مع إيران، وسحب الذريعة من نتنياهو كى لا يمضى فى خططه لتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية. والأمريكيون واثقون من أن إسرائيل وحدها غير قادرة على تنفيذ مثل هذه الضربة بمفردها. وترفض أمريكا حتى الآن تسليم إسرائيل قنابل قادرة على خرق التحصينات الإيرانية من طراز «جى. بى.يوــ43».
وجاء رد نتنياهو على مضى بايدن إلى تفاهم مع إيران، على شكل تصعيد واسع فى غزة، حيث وجه ضربة «استباقية» إلى القيادة العسكرية لحركة «الجهاد الإسلامى» فى القطاع فى مايو الماضى، ومن ثم شنّ حملة دهم واعتقالات وتصفيات لكوادر وعناصر «الجهاد» فى جنين ونابلس، كان أوسعها قبل عشرة أيام مع توغل جنوده فى جنين التى بدأ مسئولون إسرائيليون يصفونها بالجبهة المتقدمة لإيران فى الشرق الأوسط، وبلغ التصعيد ذروة أخرى مع اغتيال ثلاثة من ناشطى «الجهاد» و«كتائب شهداء الأقصى» التابعة لحركة «فتح» بواسطة مُسيّرة للمرة الأولى منذ 20 عاما.
الحملة الإسرائيلية على الضفة الغربية وتعزيز الجيش الإسرائيلى قواته فيها، يترافق مع قرار للحكومة الإسرائيلية باختصار عملية الموافقة على بناء وحدات استيطانية جديدة، من أربع مراحل إلى مرحلتين، ومنح وزير المال بتسلئيل سموتريتش الذى يتزعم حزب «الصهيونية الدينية» صلاحيات استثنائية على هذا الصعيد، تؤشر كلها إلى سعى حثيث من قبل نتنياهو لتطبيق «صفقة القرن» التى كان اتفق عليها مع ترامب والتى تلحظ ضم أكثر من 40 فى المائة من الضفة الغربية، وتعنى فعليا موت «حل الدولتين».
التصعيد الذى يقوده نتنياهو جوهره البعث برسالة واضحة إلى بايدن، بأن الرد على تفاهم أمريكى ما مع إيران سيدفع ثمنه الفلسطينيون، من طريق استحالة قيام دولتين بين البحر المتوسط ونهر الأردن. يتخذ نتنياهو غطاء لسياساته مما يعتبره ترددا أمريكيا فى اللجوء إلى القوة ضد إيران، واستمرار الرهان على الدبلوماسية، بينما يراهن نتنياهو على عودة ترامب مجددا إلى البيت الأبيض ليجد أن «صفقته» قد أنجزت.
النص الأصلي