التحولات الأوروبية للاستفادة من التكنولوجيا الصينية الخضراء
قضايا عالمية
آخر تحديث:
الخميس 4 يوليه 2024 - 7:00 م
بتوقيت القاهرة
أدرك الأوروبيون أن تفوق الصين فى مجال الصناعات الخضراء الناشئة، وهيمنتها على سلسلة توريد التكنولوجيا الخضراء ستؤثر فى قدرة الاتحاد الأوروبى على متابعة ملف تحول الطاقة، وأن التزامه لمعالجة أزمة المناخ لا يتواكب على الإطلاق مع العمل المناخى الأمريكى الأقل طموحًا والأكثر تذبذبًا على الصعيد الدولى، وبات لسان حال الأوروبيين يقول: إن التحول الأخضر فى أوروبا سيكون مستحيلاً من دون الصين.
• • •
تبلور مفهوم التخلص من المخاطر لأول مرة فى خطاب رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، فى 30 مارس 2023؛ إذ قدمت رؤية جديدة لمستقبل العلاقات الأوروبية الصينية، تقوم على ثلاث ركائز أساسية للحد من المخاطر التى تواجه أوروبا، وهى: الدفاع عن المصالح الاقتصادية الأوروبية المشروعة؛ أهمية الحوار لمعالجة الخلافات، وأخيرًا تنويع شركاء الاتحاد الأوروبى.
وقد دفعت عدة أسباب القادة الأوروبيين إلى اعتماد نهج التخلص من المخاطر فى قمة زعماء الاتحاد الأوروبى فى بروكسل مع نهاية يونيو 2023:
تفوق صينى منقطع النظير: أدرك قادة الاتحاد الأوروبى أن الصين أصبحت تحتل مكانة مهيمنة فى القطاعات الاقتصادية المرتبطة بالتحول الأخضر، والصناعات الخضراء الناشئة؛ إذ حددت القيادة الصينية ما يُعرف بــ«الثلاثة الجديدة» (the New Three)، وهى الخلايا الشمسية، وبطاريات أيون الليثيوم، والمركبات الكهربائية، كمحركات أساسية لنمو الاقتصاد الصينى، وعلى الرغم من أن هذا التفوق الصينى من شأنه إفادة العمل المناخى الأوروبى؛ فإن الهيمنة الصينية قد تهدد القدرة التنافسية الاقتصادية الأوروبية، والأمن القومى، وأمن الطاقة، بل وحتى الأهداف المناخية للاتحاد الأوروبى.
مخاوف من سياسات الإكراه الاقتصادى: تُتهم الحكومة الصينية من قبل الغرب بأنها تستخدم العلاقات التجارية كسلاح للإكراه الاقتصادى، وذلك من خلال الوقف المفاجئ للواردات، ومقاطعة المستهلكين، وحظر التصدير، ووضع المزيد من الحواجز غير الجمركية.
مخاوف من التسرب التكنولوجى: رأى قادة الاتحاد أهمية إقامة الحواجز ضد ما يُعرف بـ«التسرب التكنولوجى» (technological leakage)؛ والذى يعنى النقل غير المصرح به للتكنولوجيا الحساسة أو الملكية الفكرية من أوروبا إلى الصين؛ وهو ما من شأنه أن يقوض القدرة التنافسية لشركات الاتحاد الأوروبى العاملة فى المجال التكنولوجى.
وعلى هذا النحو، اعتبر الأوروبيون أن عملية التخلص من المخاطر كمفهوم موحد لمكافحة سياسات الإكراه الاقتصادى الصينية نهج أقل تصادمية، وأكثر استراتيجية لحماية الأمن الاقتصادى الأوروبى، وفى الوقت ذاته، وجدوا أن الترويج للاعتبارات المناخية هو «الحل السحرى» لتبنى أجندة إيجابية وتعاونية مع الصين.
• • •
تجد القارة الأوروبية نفسها أمام ثلاثة مسارات فى طريق التحول التكنولوجى الأخضر بمشاركة صينية؛ المسار الأول يكمن فى إعطاء الثقة الكاملة للشركات الصينية لتكون بمثابة العمود الفقرى للتحول الأخضر الأوروبى، وعلى نقيضه المسار الثانى الذى يدعو إلى ضرورة تبنى نهج التخلص من المخاطر عبر تقليل التعرض للصين فى قطاع التكنولوجيا الخضراء قدر الإمكان مع تعزيز القدرات البديلة، فى حين أن المسار الأخير هو الطريق الثالث الذى يضع فى اعتباره معيارى الانتقائية والتوازن عند التعامل مع الشركات الصينية، كى لا تعمل فى مجالات تضر بالأمن القومى الأوروبى. وفيما يلى الخيارات المتاحة أمام صانع القرار الأوروبى فى كل مسار على حدة:
• إعطاء الثقة الكاملة للشركات الصينية: يتعين على صناع القرار الأوروبيين فى هذا المسار أن يعملوا على صياغة خيارات سياسية أكثر مرونة، تقبل قدرًا أعظم من الاعتماد على المنتجات الصينية، وسيفعلون ذلك وهم واثقون من أنهم سيحصدون فوائد انخفاض أسعار تلك المنتجات لصالح المستهلك الأوروبى؛ ومن ثم، سيعزز هذا الأمر سهولة وسرعة التحول الأخضر.
• انعدام الثقة فى الشركات الصينية: إن نهج التخلص من المخاطر فى هذا المسار سيكون الأكثر صرامة؛ إذ سيتم تجنب التعامل مع الشركات الصينية قدر الإمكان فى مجال التكنولوجيا الخضراء، وسيتعين على صناع السياسات أن يستفيدوا من كل الموارد الأوروبية الممكنة، حتى لو كان ذلك على حساب ارتفاع أسعار المستهلك الأوروبى، أو حتى تحقيق أهداف المناخ بشكل أبطأ.
• الطريق الثالث: يحمل نهج التخلص من المخاطر فى هذا المسار عنوان: «لا نثق فى الشركات الصينية... ولكن»، بمعنى أنه لا يمكن التعامل مع الشركات الصينية دون انتقائية وحذر وتأكد من أن المجالات التكنولوجية ليست ذات صلة بالأمن القومى أو السيبرانى.
• • •
إذا كان الطريق الثالث يبدو أحد البدائل الأكثر توازنًا وعقلانية تجاه التعامل مع التكنولوجيا الخضراء الصينية، فإن معيار نجاح السير فى هذا الطريق يتطلب أن يقوم قادة الاتحاد الأوروبى بما يلى:
• وحدة القرار الأوروبى: يتعين على زعماء الاتحاد التنسيق الكامل فيما بينهم بشأن ضرورة أن تكون عملية صنع القرار الأوروبية متوافقة مع مبدأ الاستقلال الاستراتيجى الأوروبى، والذى يهدف إلى بناء السيادة الأوروبية مع اتخاذ خطوات لتعزيز الكتلة ككيان جيوسياسى موحد.
• انضباط القواعد: يجب أن يواكب الأوروبيون التطورات المتعلقة بمجال صناعة التكنولوجيا الخضراء عبر تحديد قواعدهم الخاصة، واستخدام قوتهم فى السوق، وتوليد الإرادة السياسية التى من شأنها أن تعكس تبنى الاتحاد الأوروبى نهجًا شاملاً وأكثر حزمًا فى التعامل مع أية مسائل قد تُفضى نحو الإكراه الاقتصادى.
• • •
يمكن القول إن مجالى الألواح الشمسية والمركبات الكهربائية من أفضل المجالات التى يمكن من خلالها رسم العلاقة المستقبلية بين بكين وبروكسل، وذلك على النحو التالى:
أولاً: الألواح الشمسية
أ) تقييم المخاطر: يواجه الأوروبيون مخاطر اقتصادية وسياسية بشأن صناعة الألواح الشمسية، فمن الناحية الاقتصادية، تُعد الصين الفاعل الرئيسى فى سلاسل التوريد المتعلقة بمكونات ألواح الطاقة الشمسية الكهروضوئية حول العالم، ولاسيما أنها تنتج ثلثى المعروض من البولى سيليكون فى العالم. ومن الناحية السياسية، يواجه الأوروبيون معضلة ترتبط بتصنيع نحو 35% من البولى سيليكون العالمى فى مقاطعة شينجيانج الصينية، وهى المقاطعة التى تُعد محل انتقاد دائم من قبل منظمات المجتمع الدولى؛ بسبب العمل القسرى وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان التى تحدث داخل الإقليم ضد الأقليات العرقية؛ الأمر الذى يُحرج الأوروبيين نتيجة التواطؤ مع الممارسات الصينية من خلال شراء المنتجات من تلك المقاطعة.
ب) البحث عن حلول وسط: من المهم تنويع مصادر واردات الاتحاد الأوروبى من الألواح الشمسية، وهى خطوة ستخلق فرصًا لشراكات جديدة مع المنتجين الناشئين فى بلدان ثالثة، وفى الوقت ذاته، فإنه من الضرورى الاستمرار فى تقديم إعانات دعم ضخمة للشركات الأوروبية العاملة فى مجال الطاقة الكهروضوئية.
ثانيًا: المركبات الكهربائية
أ) تقييم المخاطر: إذا استمر الاعتماد الأوروبى بشكل مفرط على السيارات الكهربائية الصينية؛ فإن الاتحاد الأوروبى يواجه أمرين فى منتهى الخطورة: الأول يكمن فى القدرات التنافسية لصالح الصين، فلا شك فى أن الأسعار المنخفضة للسيارات الصينية إلى جانب التحسن السريع فى جودتها عوامل قد تُشكل خطرًا هائلًا على منافسة صناعة السيارات الأوروبية. فى حين أن الخطر الثانى يعكس أبعادًا أمنية؛ إذ إن تلك السيارات مجهزة بمصفوفات من أجهزة الاستشعار التى تراقب الجزء الداخلى للسيارة والمناطق المحيطة بها؛ مما يُنذر بأن تلك السيارات ستكون كنزًا من البيانات الحساسة التى قد يتم نقلها من أوروبا إلى الصين.
ب) البحث عن حلول وسط: يمكن للأوروبيين تنويع وارداتهم من السيارات الكهربائية، فبدلًا من استمرار شكواهم بشأن ارتفاع تكلفة الواردات من الولايات المتحدة الأمريكية واليابان، أو الاقتصار على واردات السيارات الصينية، يمكن توجيه الأنظار إلى شركات السيارات الكهربائية فى الهند أو فيتنام. ومن المهم أيضًا تقديم إعانات دعم سخية لمصنعى السيارات الأوروبية الكهربائية؛ لإنتاج سيارات بأسعار معقولة تكلف أقل من 17 ألف يورو، فى محاولة على الأقل لتضييق فجوة الأسعار مع المنتجات الصينية.
وإذا كان مسار الطريق الثالث هو الأفضل للابتعاد عن التصادم مع الصين، فإن المخاطر الأمنية فى قطاع السيارات الكهربائية، والتى قد تمتد لمراقبة أوروبا والتجسس عليها وسرقة بياناتها، تجعل من الصعب اتباع نهج وسطى فقط دون سرعة اتخاذ حلول جذرية لوقف طموحات الصين العالية بشأن تغذية السوق الأوروبية بالسيارات الكهربائية.
ومجمل القول، إنه إذا كانت التحديات السياسية تقف عائقًا للمضى قدمًا فى تنفيذ نهج التخلص من المخاطر فيما يتعلق بالتكنولوجيا الخضراء الصينية؛ فإن الخروج من عنق الزجاجة، بما فى ذلك تحويل مبادئ التخلص من المخاطر إلى سياسات فعلية، لا يحتاج إلى زعامة أوروبية قوية أو إجماع بقدر ما يحتاج إلى الدفع السياسى الجذرى نحو سياسة صناعية أوروبية شاملة تتبع خطى الصين والولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ ستكون الحل الوحيد لتعزيز وحدة التكتل ونهضته من جديد من خلال التمتع بثمار العوائد الاقتصادية من القطاع الصناعى المتقدم.
أندرو ألبير شوقى
مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة
النص الأصلى:
https://rb.gy/ncg2k3