محرقة السياحة في الغردقة..!!
وحيد حامد
آخر تحديث:
الثلاثاء 4 أغسطس 2009 - 8:20 م
بتوقيت القاهرة
الغردقة مدينة شهيرة على المستوى المحلى والعالمى.. وهى لا تزرع القمح، ولا تحيطها حدائق الرمان ولا توجد بها معامل ألبان..!! وهى أيضا خالية من أى صناعة سواء كانت نسيجا أو سيراميك أو حديدا، الصناعة الوحيدة فى هذه المدينة هى صناعة الخبز لإطعام سكانها، ولا يستخرج من أرضها فحم أو بترول أو غاز، ومهنة صيد الأسماك باتت مهنة منقرضة..
الغردقة مدينة صحراوية تطل على البحر وتتمتع بمناخ متميز وطبيعة ساحرة، ومن الطبيعى أن تكون مدينة سياحية كما أراد لها نفر من أصحاب العقول الراجحة والنوايا الصادقة، وهؤلاء جميعا لهم الشكر والتقدير والاحترام لأن هذه المدينة أصبحت من أهم المدن السياحية فى العالم ولها شهرة واسعة ولها نصيب كبير من حجم السياحة الوافدة إلى مصر.. وبالتالى فأباطرة هذه المدينة وأثرياؤها وحكامها وفقراؤها وعمالها وموظفوها يعلمون أن أرزاقهم مرتبطة بصناعة السياحة.. وعلى الجميع العمل على تنميتها وتطويرها لجذب الزائر والعمل على راحته وإسعاده بحيث يعود إلى بلاده وهو يفكر فى العودة مرة أخرى وحتى يدعو بقية الأهل والأقارب والأصدقاء إلى زيارة هذا البلد الجميل.
وهذه المدينة هى مدينة الفنادق والقرى السياحية التى تستوعب الأفواج السياحية الوافدة طلبا للاسترخاء والهدوء والنقاء والصفاء تحت سماء صافية وهواء نقى ومياه لها لون أحجار الفيروز وهذا كله والحمد لله موجود ومتاح ومتوافر.. ولكن.. وكأننا نكره نكره أنفسنا فإننا دائما نفسد ما لا يصح أن يفسد أبدا..
على بعد خمسمائة متر من منطقة الفنادق أقام مجلس المدينة محرقة للزبالة حيث تشتعل الزبالة ذاتيا وتحترق.. وأى شىء يحترق لابد أن يصدر عنه دخان أسود كثيفا محمل بالأبخرة والغازات ذات الرائحة الكريهة الناتجة عن عملية الحرق هذه والتى يتكفل الهواء بحملها ونقلها فى سحب سامة حيث تطوف فوق عدة فنادق، وأى صاحب عقل عليه أن يقدر الحالة التى تصيب النزلاء من مختلف الجنسيات وأيضا الأطفال الذىن بصحبتهم بالإضافة إلى العاملين والمواطنين المصريين.. الناس تركوا بلادهم وجاءوا إلينا طلبا للراحة فإذا بها وهم كاذب وعليهم أن يتنفسوا ويختنقوا بغازات الزبالة المحترقة وسمومها.. تفسد الإجازة.. ويحل السخط محل الرضا.. والكراهية محل الحب.. والسمعة السيئة بدلا من السمعة الطيبة..
ولأن مدينة الغردقة صحراؤها ممتدة حتى محافظة قنا، ولو أن هناك رئيس مجلس مدينة أو أى مسئول قلبه على هذه المدينة لتحرك من تلقاء نفسه وأمر بنقل هذه المحرقة فى عمق الصحراء الممتدة بحيث لا تؤثر هذا التأثير السلبى والطارد والمدمر لصناعة السياحة فى مدينة تعيش على السياحة.. خصوصا أن حفر حفرة جديدة ليس بالشىء المكلف والذى لن يحتاج إلى ميزانيات وخطط خمسية.. فإذا علمنا أن جميع فنادق الغردقة تدفع لمجلس المدينة الموقر ما قيمته اثنان فى المائة من الدخل مقابل النظافة فإن السؤال هنا يكون واجبا.. أين تذهب هذه الأموال..؟
إن الفنادق تدفع لإيذاء نفسها حيث إن مجلس المدينة يفضل المحرقة القريبة عن أى محرقة بعيدة لأن له فيها مآرب ومصالح ولا يعنيه إطلاقا أن تتحول هذه الفنادق إلى خرابات خالية من النزلاء.. المحرقة تخص الحكومة وبالتالى لا يجب أن تمس.. أما الفنادق فقطاع خاص.. يحترق أصحابها مع نزلائها مع الزبالة ليست هذه القضية.. يعود الوافدون إلى بلادهم بكل أمراض الصدر.. احنا مالنا.. المهم أن تبقى المحرقة فى مكانها.
وربما طلب السيد اللواء الحاج رئيس المدينة من السيد وزير الثقافة أن يحولها إلى أثر حتى لا يقترب أحد منها بسوء.
وجوهر المشكلة يكمن فى القائمين على حكم هذه المدينة.. ومشكلة هؤلاء هى نفسها مشكلة الحكم المحلى كله.. يتولى المسئولية من هو ليس أهلا لها.. وأغلبهم موظفون سابقون لا شك أنهم كانوا فى وظائفهم السابقة مثالا للإخلاص والتفانى فى الخدمة والقدرة على الإنجاز والعطاء.. هؤلاء تمنح لهم المحافظات والمدن على سبيل المكافأة أو الترضية.. تماما كمان يحدث فى الزمن البعيد حيث يهب السلطان الأبعديات لرجاله المخلصين. ولأن من يتفوق فى وظيفة ليس من الضرورى أن يتفوق فى وظيفة أخرى مختلفة فى النوع.. منهم من ينجح.. ومنهم من يفشل فشلا ذريعا.. إدارة مدينة أو محافظة دائما تحتاج إلى شخصية واعية بطبيعة هذه المدينة واحتياجاتها وضرورة الانتماء الحقيقى إليها وأن الصعود بها هدف أساسى وهو الأصل فى وجوده.
ومشكلة مدينة الغردقة أن حكامها لا ينتمون إليها.. هم فى الأصل غرباء عنها جاءوا إليها من بلاد أخرى ووظائف أخرى.. وهم يعلمون أنهم جاءوا إليها بقرار وسيخرجون منها بقرار.. فيكون هدف الواحد منهم قضاء المدة فى هدوء وسلام حاصدا أكبر قدر من المكاسب المشروعة متجنبا أى خسائر قد تلوح فى الأفق.. وعليه فلا أحد يطور أو حتى يفكر فى إنجاز مهم يأخذ المدينة إلى ما هو أفضل.. وهذا يحدث فى الغردقة وغيرها من المدن والمحافظات.. ومدينة الغردقة مدينة مظلومة أغلب السنوات بحكامها.. حتى الحكام الصغار..
منذ سنوات أمسك أحد ضباط البوليس بشاب وهو فى طريقه إلى الفندق الذى يقيم به وطلب منه تحقيق الشخصية فقدمها له.. وسأله أنت فى الغردقة بتعمل إيه؟ قال له جاى أتفسح..؟ قال له أنت كنت فين دلوقتى؟ قال له.. كنت فى الديسكو.. قال له وشربت إيه فى الديسكو..؟ قال له بيرة.. قال له كان معاك بنات؟ قال لأ.. قال له طب اركب البوكس ولم يعد إليه البطاقة.. سأله الشاب ليه أركب البوكس؟ قال علشان شارب بيرة ودى حاجة تغضب ربنا..
هكذا تحول الحاكم الصغير ليلا إلى داعية إسلامى وليس ضابط شرطة عليه أن يطبق القانون.. قال له الشاب.. طيب سماح المرة دى والمرة الجاية لما أجى الغردقة هشرب عرقسوس فاعتبرها الضابط والحاكم الصغير سخرية وجره إلى القسم..
ولأن المدن والمحافظات يجب أن يهدى إليها رجال يبذلون أقصى ما فى وسعهم للنهوض بها ويكون لديهم الوعى بطبيعة المدينة وظروف الحياة فيها والقبول بها.. ولا تهدى المدن والمحافظات إلى أشخاص يتعاملون معها بلا انتماء أو حب أو حتى فهم فتكون النتيجة مؤسفة. ويطيب لى أن أذكر واقعة عرفت بها فى أثناء بحثى فى تاريخ جماعة الإخوان المسلمين، فقد أراد الأستاذ «حسن البنا» رحمة الله عليه بناء أول مسجد للجماعة فى مدينة الإسماعيلية وعثر على قطعة أرض مناسبة بسعر جنيه واحد للمتر وقرر الشراء إلا أن رفاقه فى الجماعة اعترضوا بشدة وقرروا البحث عن قطعة أخرى فى مكان آخر دون سبب واضح أو معلن.. إلا أن مرشد الجماعة أصر على أن يعرف السبب..؟ قال له أحدهم فى شجاعة
ــ يا شيخ حسن حتة الأرض دى بعدها بتلات بيوت.. بيت للدعارة والعياذ بالله..!!
هنا ابتسم الشيخ حسن البنا رحمة الله عليه قائلا..
ــ هو مين اللى هيطفش التانى.. الجامع هو اللى هيطفش بيت الدعارة.. وإلا بيت الدعارة هو اللى هيطفش الجامع..؟!
والسؤال الآن بالنسبة لمحرقة مدينة الغردقة.. مين اللى هيطفش الثانى..؟ الحرقة هتطفش الفنادق أم الفنادق هيه اللى هطفش المحرقة..؟!
لكن السؤال الأهم.. هل المحرقة بالنسبة لحكام الغردقة هى الجامع؟ أم بيت الدعارة.. سؤال صعب بالنسبة للحكام..؟