أطول حرب تخوضها أمريكا
إيهاب وهبة
آخر تحديث:
السبت 4 سبتمبر 2010 - 10:10 ص
بتوقيت القاهرة
ربما ظن البعض أن الحرب التى تخوضها الولايات المتحدة فى أفغانستان، قد اندلعت مباشرة بعد أحداث سبتمبر 2001. والواقع أن هذه الحرب إنما يعود تاريخها إلى 30 عاما مضت، وهى بالتالى قد تفوقت من حيث المدة على الحرب فى فيتنام التى استغرقت 25 عاما.
رصد تقرير صادر مؤخرا عن مركز ستراتفور للأبحاث أربعة مراحل فى تاريخ هذه الحرب التى استمرت ثلاثة عقود حتى الآن. خلال هذه المراحل الأربع تفاوت الموقف الأمريكى منها بين التحالف مع ما سماه التقرير «بالراديكاليين الإسلاميين»، وبين مناصبتهم العداء، وأخيرا محاولة بناء الجسور معهم من أجل تأمين مستقبل أفغانستان.
بدأت المرحلة الأولى مع الغزو السوفييتى لأفغانستان عام 1979، عندما قامت الولايات المتحدة، ودول إسلامية وعربية أخرى، بتدريب وتسليح ودعم قوات المجاهدين، إلى أن اضطر الاتحاد السوفييتى للانسحاب عام 1989. أما المرحلة الثانية فقد بدأت بعد هذا التاريخ مباشرة حيث اندلعت فيها الحرب الأهلية التى لم تشارك فيها الولايات المتحدة مباشرة إنما أوكلت الأمر إلى باكستان، التى قامت فى مرحلة لاحقة بدعم إنشاء حركة طالبان.
استطاعت طالبان هزيمة الحركات الأخرى وتولت السلطة فى كابول عام 1996 حيث منحت تنظيم القاعدة ملاذا آمنا فى البلاد. وبدأت المرحلة الثالثة بعد شهر واحد من أحداث سبتمبر 2001، واعتمدت الولايات المتحدة فيها على قواتها الضاربة الجوية أساسا، حيث ألحقت خسائر كبيرة بطالبان والقاعدة، إنما لم تفلح أمريكا فى هزيمة أى منهما. انسحبت طالبان إلى خارج المدن، أما تنظيم القاعدة فقد أنشأ خلايا له فى العديد من الدول بدءا بالجوار الباكستانى ثم فى العراق، والمغرب العربى، واليمن، والصومال وغيرها. أما المرحلة الرابعة والحالية فقد دشنها أوباما بعد توليه السلطة عام 2009 واتبع استراتيجية تقضى بالالتحام المباشر مع طالبان باستخدام أعداد متزايدة من القوات الأمريكية وقوات الناتو، وذلك حتى تتحقق لهذه القوات الغلبة ــ كما يتصور ــ ومن ثم يبدأ الانسحاب عام 2011.
المهم بالنسبة لاستراتيجية أوباما الجديدة هو وجود حكومة أفغانية فاعلة، وجيش قوى، وحرمان القاعدة من أى فرصة للعودة مرة أخرى للأراضى الأفغانية. يعيب هذه الاستراتيجية افتقار الحكومة الأفغانية إلى الكثير من المقومات، وتفشى الفساد فيها، وتحكم الولاءات القبلية بأفراد القوات المسلحة، فضلا عن أن تنظيم القاعدة لم يعد فى حاجة إلى الأراضى الأفغانية لإطلاق أنشطته.
لكل هذه الأسباب فقد الرأى العام الأمريكى تدريجيا ثقته فى إمكانية تحقيق النصر فى الحرب الأفغانية تماما مثل الشعور الذى تنامى عاما بعد آخر ضد استمرار الحرب الفيتنامية. ولم يكن غريبا أن يصف رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية مؤخرا الحرب فى أفغانستان بأنها حرب خاسرة. تنفق الولايات المتحدة حاليا على حربها فى أفغانستان ما بين 6 و7 بلايين دولار شهريا، وينتظر أن يبلغ إجمالى ما ستنفقه الولايات المتحدة خلال العام المالى 2011 مبلغ 117 بليون دولار. ووفقا للإحصاءات فقد وصل إجمالى ما أنفقته الولايات المتحدة على حربها فى كل من العراق وأفغانستان حتى الآن، ما يزيد على تريليون دولار!. هذا بالنسبة للتكلفة المالية، أما الخسائر البشرية فيكفى الإشارة إلى أن الولايات المتحدة قد فقدت فى أفغانستان والعراق منذ بدء العمليات العسكرية فى البلدين وحتى منتصف شهر أغسطس الماضى 5617 قتيلا.
وكأن كل ذلك لم يكن كافيا، فقد تعرضت الإدارة الأمريكية لهزتين عنيفتين حول الموقف فى أفغانستان خلال شهرين متتاليين. الأولى فى يونيو الماضى عندما أُعفى قائد عام قوات الناتو فى أفغانستان الجنرال الأمريكى ماك كريستال من منصبه، فى أعقاب تصريحات أدلى بها إلى مجلة رولينج ستون ونشرت يوم 22 يونيو تضمنت استخفافا وانتقادا لأوباما ومعاونيه السياسيين فيما يتعلق بتعاملهم مع الأوضاع فى أفغانستان.
أما الأزمة الثانية والتى لايزال يتردد صداها حتى الآن فقد تفجرت بعد أن نشر الموقع الإلكترونى Wiki-leaks يوم 25 يوليو ما يزيد على 90 ألف وثيقة عسكرية سرية تم تسريبها للموقع (ويهدد الموقع بإماطة اللثام عن 15 وثيقة أخرى). اعتبر البعض فى الولايات المتحدة أن نشر هذه الوثائق كان بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير (أو الحرب الأفغانية فى حالتنا هذه). وتسجل الوثائق مئات حالات قتل المدنيين بشكل وحشى على أيدى القوات الأمريكية والمتحالفة معها، كما ترسم صورة قاتمة للغاية عن أوضاع الجيش والشرطة فى أفغانستان سواء ما يتعلق بالاقتتال الداخلى بين الجنود، أو عمليات الفرار الجماعى من الخدمة، أو إطلاق النيران بشكل عشوائى على المدنيين. وفوق ذلك تظهر الوثائق تعاونا بين المخابرات العسكرية الباكستانية وبين طالبان الأفغانية، وإمدادها بالسلاح والأموال، وكأن باكستان تلعب على الحبلين إذا ما تعلق الأمر بأفغانستان!
إذن فشلت كل الشعارات الساذجة التى أطلقت حول إمكانية كسب عقول وقلوب الأفغان، وأصبح من الضرورى على الولايات المتحدة أن تجد الوسيلة لفض اشتباكها العسكرى فى أفغانستان ولكن دون أن يتسبب ذلك فى انهيار الموقف تماما، أو العودة إلى الحرب الأهلية، أو تمكن طالبان من استعادة السلطة، إذ ترى الولايات المتحدة فى كل ذلك تهديدا خطيرا لأمن باكستان، الدولة النووية المجاورة التى تعانى الحكومة فيها مشكلات جمة مع طالبان باكستان. ومع ذلك وما دامت المعارك مستمرة فى أنحاء مختلفة من أفغانستان بين التحالف وطالبان، فإن فرص كسب ود بعض العناصر الأقل تشددا فى طالبان من أجل المشاركة فى إدارة الأمور فى أفغانستان مستقبلا، لا تبدو جيدة، خاصة مع افتضاح أسماء بعض المتعاونين بالفعل مع الولايات المتحدة (من خلال تسريبات Wiki-leaks).
لا تختلف المعضلة التى تواجهها أمريكا فى أفغانستان عن تلك التى تواجهها فى العراق. يهلل الأمريكيون لسحب قواتهم القتالية فى نهاية أغسطس 2010 بحيث لا يتبقى فى العراق أكثر من خمسين ألف جندى من أجل تدريب القوات العراقية والتصدى للعمليات الإرهابية. ويتمسك أوباما بسحب كل القوات الأمريكية مع نهاية العام القادم 2011. إنما تواجه الولايات المتحدة مشكلات عدة، ليس أقلها شأنا فشل الكتل الفائزة فى الانتخابات التى جرت فى 7 مارس الماضى فى تشكيل حكومة جيدة، وإعلان رئيس أركان حرب الجيش العراقى أن هذه القوات لن تكون فى وضع يسمح لها بالدفاع عن البلاد قبل عام 2020، أضف إلى هذا التردى المستمر للأوضاع والخدمات فى العراق.
تحدث أوباما حديثا مطولا يوم 2 أغسطس الماضى أمام العسكريين وقدامى المحاربين الأمريكيين بمن فيهم من خدم فى أفغانستان والعراق. أثنى الرئيس الأمريكى ثناء عطرا على إنجازاتهم، وعبر عن تقديره العظيم لتضحياتهم، ووعدهم بكل ما يستحقونه من رواتب تقاعد مجزية، ومن خدمات صحية متميزة.
ض
وإنى لأتساءل، والحالة هذه، عمن أحق بالتكريم، الجلاد أم الضحية. هل هؤلاء الذين عاثوا فى الأرض فسادا، أم الشهداء الذين أزهقت أرواحهم أو هؤلاء الذين أُخرجوا من ديارهم؟ فى كل يوم جديد يتم الكشف عن المزيد من الجرائم التى ارتكبت سواء فى العراق أو فى أفغانستان، وسيكون على من ارتكبوها، طال الزمن أو قصر، أن يمثلوا أمام العدالة كى ينالوا ما يستحقونه من الجزاء.