يقال إن من يرى ليس كمن يسمع، فإن تسمع عن جدية الألمان وقوة اقتصادهم ومتانة وجودة معداتهم شىء، وأن ترى بعينك الماكينات البشرية وهى تتجول فى الشوارع والميادين، وفى مواقع العمل بذلك النوع من الصرامة واحترام الوقت وقيمته شيئ أخر، فقد اتيحت لى الفرصة، الأسبوع الماضى، زيارة العاصمة الألمانية لحضور معرض إيفا برلين «IFA 2017» الذى تستعرض فيه كبريات شركات الإلكترونيات والأجهزة المنزلية فى العالم أحدث ابتكاراتها فى هذا المضمار.
الوصول لمطار شونفيلد الدولى الذى يقع جنوب برلين من القاهرة استغرق 4 ساعات، وتطلب الخروج منه نحو خمس دقائق، مجرد سؤال من ضابط الجوازات عن غرض الزيارة قبل أن يمهر جواز سفرك بخاتم المرور، لتجد نفسك خارج المطار الصغير الذى يخدم نحو 7 ملايين راكب سنويا، المساحات الخضراء تحيط المكان من كل جانب، المشهد يتكرر فى مناطق عديدة بالعاصمة الألمانية التى أقيمت العديد من مبانيها على أنقاض تلك التى دمرتها الحرب العالمية الثانية.
حركة السيارات غلبت عليها زحمة السير بفعل عمليات صيانة وتجديد للبنية التحتية للمرافق فى بعض المناطق، ما استدعى إغلاق عدد من الشوارع، وتغيير المسارات فى بعضها الآخر، غير أن الالتزام بقواعد المرور سيد الموقف فى كل الأحوال، فلا تسمع بوقا للتنبيه، ولا تذمرا من الانتظار قليلا، ولا خرقا للإشارة فى غياب الشرطى وكاميرات المراقبة.
استخدام المواصلات العامة، كالأتوبيسات والترام ومترو الأنفاق، الأكثر شيوعا على حساب السيارات الخاصة، الدراجات الهوائية يعتمد عليها الرجال والنساء بكثرة فى قضاء مشاويرهم، عربات الأجرة أسعارها نار مقارنة مع مصر، ولأن معرض إيفا الأشهر أوروبيا يحضره 145 ألف متخصص من 129 بلدا، كان العثور على التاكسى كالعملة النادرة، وربما يحتاج المرء إلى أكثر من نصف ساعة قبل أن يقتنص واحدا خاليا من الركاب.
فى اليوم التالى للوصول تم إجلاء محيط السفارة الكندية فى برلين قرب الفندق الذى نزلت فيه بعد إبلاغ عن تهديد بقنبلة تبين أنه كاذب، سارعت على صوت سيارات الشرطة إلى المكان، لأجد أن الأمر انتهى فى أقل من خمس دقائق، وقد انصرف غالبية المارة، وعاد موظفو السفارة والعاملون فى المبانى المجاورة إلى أعمالهم، وكأن شيئًا لم يحدث، قبل أن أتوجه إلى المؤتمر الصحفى الذى نظمته شركة سامسونج الكورية لعرض جديد منتجاتها من الأجهزة الإلكترونية والمنزلية، ودعت لحضوره أكثر من ألف صحفى ومشارك بمعرض «إيفا برلين»، وبوجود وفد من فرع الشركة فى مصر.
ولصحفى تعود على حضور المؤتمرات السياسية، والندوات الثقافية، وتغطية الأحداث العامة، بدا المؤتمر الصحفى لسامسونج مبتكرا، وغير تقليدى، فأنت تجلس فى قاعة أشبه بمسرح رومانى، الأضواء زرقاء خافتة، كما هو الحال فى صالات العروض الراقصة، شاشة العرض العملاقة تقدم أحدث الابتكارات لأجهزة ذكية، دامجة بين العالم الافتراضى والواقع مع اعتلاء المسرح، الذى يرتفع عن أرضية المكان بنحو متر تقريبا، بطل شريط الفيديو الذى كان يعرض ليستكمل فيه أحد مسئولى التسويق من فرع الشركة فى الولايات المتحدة بنفسه ما كان قد بدأه عن الجديد فى عالم التقنيات الذكية.
وعلى طريقة عروض حفلات افتتاح مهرجانات السينما، توالى نجوم التسويق فى سامسونج، التى دعت إعلاميين مصريين لزيارة جناحها الكبير بمعرض«إيفا برلين»، فى تقديم بضاعتهم التى تجعلك تقف على أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا فى عالم بات فيه العلم والاقتصاد والترفيه كتلة واحدة، قبل أن ينتهى المؤتمر الصحفى، أو الحفل الاستعراضى الذى جاء إليه المدعوون، رجالا ونساء، فى زى السهرات شبه الرسمية، وظهر فيه اصحاب المال والأعمال كنجوم الفن وهم يستعرضون مهاراتهم فى الإقناع بجودة منتجاتهم وقوة صناعتهم.
خرجت من القاعة لأعاود التجول فى شوارع برلين التى كانت سعيدة باعتدال طقسها، فتحولت الحدائق والمتنزهات إلى حمامات شمس لسكانها، قبل أن يرحل الصيف بنسماته ودفء حرارته، ويأتى الخريف مقدمة لموسم الأمطار والثلوج الذى يرافق شتاء القارة الأوروبية.