وحدة الأمة فى بناء الحداثة العربية

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الأربعاء 4 سبتمبر 2024 - 8:00 م بتوقيت القاهرة

لنعد لموضوع انتقال شابات وشباب الأمة لمنهجية فكر وعمل متناسقة ومتكافلة من أجل بناء حداثة عربية ذاتية. فى مقال سابق بينّا الأهمية القصوى لأن يكون المدخل المفصلى الأول من خلال القيم الكبرى للأمة، سواء الذاتية التراثية المقبولة أو الحديثة المفيدة المتبناة من حضارات الآخرين. وتبين لنا الغنى الكبير لذلك التراث بالقيم الأخلاقية والحقوقية والإنسانية لتكون مكونًا رئيسيًا فى المدخل الفكرى والسلوكى لهذا المشروع التجديدى.

 


اليوم سنناقش المدخل الثانى الرئيسى المتمثل فى مشروع وحدة هذه الأمة. وسنرى أن مشروع بناء الحداثة العربية ذاك سيكون مليئًا بالعقبات وقلة الإمكانيات ما لم يتبنّ مشروع هذه الوحدة. بدون إطار نوع متفق عليه من الوحدة العربية سيكون الحديث عن التحرر والاستقلال القومى والوطنى، وعن التنمية الشاملة المستمرة، وعن الأمن المعيشى، وعن التقدم العلمى والتكنولوجى ضربًا من الآمال الرغائبيّة والإنجازات المحدودة.
ولقد تنبّه العرب إلى أهمية وحدة أمتهم منذ القرن التاسع عشر، لكن المؤامرات الاستعمارية الخارجية وأنانية وانتهازية البعض فى الداخل منعت نجاح ذلك المشروع الحيوى. وأنا أحيل شباب وشابات الأمة إلى كتاب يتعامل مع جوانب الماضى والحاضر والمستقبل لهذا الموضوع فى شكل طرح أسئلة واقتراح إجابات، كتبه المرحوم الدكتور، سعدون حمادى، تحت عنوان «عن القومية والوحدة العربية، سألنى سائل فأجبت». وهو كتاب متوازن واقعى موضوعى إلى حدّ كبير ومن إصدارات مركز دراسات الوحدة العربية الثقافية القومية.
ككلّ مشروع كبير متفاعل مع الواقع مرّ مشروع وحدة الأمة فى مراحل عديدة. فى يومنا هذا يطرح كثر المشروع ضمن المعطيات الموجزة التالية:
أولًا: فشل الغالبية الساحقة من الأقطار العربية فى بناء دولة حرة مستقلة ذات اقتصاد تنموى إنتاجى ونظام سياسى شرعى ديمقراطى وأمن خارجى وداخلى مما يستدعى النظر فى توحيد الأمة.
ثانيًا: يدرك كثر أن القفز إلى طرح الوحدة الاندماجية الشاملة أمامه الكثير من الصعاب ولذلك يطرحون أن تبدأ الوحدة بتكوين أربعة تجمعات أو مجالس عربية فى مناطق المغرب العربى، ووادى النيل، والهلال الخصيب، والخليج العربى، لتكوّن توحيدًا تدرّجيًا متناميًا واقعيًا فيما بين أعضائها، وذلك قبل الحديث عن وحدة اندماجية نهائية.
لكن ذلك لا يمنع استمرار الجامعة العربية وغيرها من المؤسسات المماثلة العمل على قيام تعاون تشاركى بل خطوات توحيد تضامنى متناسق فى كثير من المجالات الممكنة فيما بين الدول العربية كلها.
ثالثًا: فى جميع الأحوال يشعر البعض بأن وجود قاعدة إقليمية بزعامة ورئاسة شخصية كاريزمية عروبية، تؤمن بالوحدة العربية وتبذل جهودًا ذاتية كبيرة فى سبيل تحققها، سيساعد كثيرًا على اقتناع المترددين وفى التفاف الجماهير حول الشعارات الوحدوية التى تطرحها تلك الدولة القاعدة.
ويستشهدون بما حاولت جمهورية مصر العربية فعله فى ستينيات وسبعينيات القرن الماضى.
رابعًا: هناك شبه إجماع بأن كل متطلبات التنمية الأساسية لا يمكن تحققها إلا على المستوى القومى الوحدوى التراكمى فى كل المجالات. فتكوين التراكم المعرفى والتقنى العربى الذاتى القادر على المنافسة، وبناء اقتصاد إنتاجى غير ريعى فى سوق عربى موحد، والأمنين الغذائى والعسكرى، ومواجهة كل مصادر التخلف الثقافى بكل مكوناته، والاستقلال القادر على الحماية من التدخلات والإملاءات الخارجية والإقليمية، وعلى الأخص الاستعمارية الغربية والصهيونية منها، لا يمكن تحققها لمنفعة الجميع وبالجميع إلا فى إطار وحدة هذه الأمة.
ولأن كل ذلك يهم الفرد المواطن العربى عبر الأرض العربية كلها فإن هذا المواطن، وعلى الأخص الشابات والشباب منه، مطالب بأن يناضل، كفرد وكعضو فى مؤسسة مدنية، بصورة متنامية ومستمرة وبشتى الطرق الممكنة.. يناضل فى سبيل بناء مكونات هذا المدخل المفصلى الثانى من مداخل المشروع الحداثى العربى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved