نقاط حول التكنولوجيا قد لا يعلمها الكثيرون

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: الجمعة 4 أكتوبر 2024 - 6:25 م بتوقيت القاهرة

الإنسان دائما مهووس باستشراف المستقبل لدرجة قد تصل للإدمان، بل وفى بعض الأحيان على حساب الاهتمام بالحاضر. عندما تسير فى شوارع مانهاتن فى مدينة نيويورك الأمريكية فإنك ترى ناطحات السحب والمبانى العملاقة مستقبلية الشكل ولكنك ترى أيضا محلات لقراءة الطالع سواء عن طريق أوراق اللعب أو الكرة البلورية أو الكف، والكثير من هذه المحلات فى أماكن راقية جدا من المدينة، ووجودها فى تلك الأماكن مع ارتفاع قيمة الإيجار معناه أن تلك المحلات لها زبائن كثر، ومع وجود تلك المحلات منذ سنوات عديدة فهذا معناه أن سيل الزبائن لا ينقطع، أى إن التقدم العلمى لا يعنى بالتبعية التقدم العقلى، والحاجة لمعرفة المستقبل تقاوم التفكير المنطقى.

هذا ليس معناه ألا نحاول استشراف الغد خاصة فى المجالات العلمية حتى نكون مستعدين له أو نكون فاعلين فيه، لذلك علم المستقبليات من العلوم المهمة التى أرجو أن تجد لها مكانا ومكانة فى بلادنا. وحتى نتحرك من أرض صلبة لاستشراف المستقبل فيما يتعلق بالتقدم التكنولوجى فإنه ينبغى أن نعرف الحاضر جيدا، وهذا ما سنتحدث عنه أو بمعنى أدق سنتلمس بعض جوانبه فى مقال اليوم.

مقال اليوم سيتحدث عن بعض الأمور المتعلقة بالتكنولوجيا التى قد تفاجئ غير المتخصص، لكن من المهم أن يعلمها حتى يستطيع التعامل مع التكنولوجيا الحالية بما لها وما عليها ولا يندهش كثيرا حين يرى التكنولوجيا القادمة على المدى القريب، لأن الاندهاش الكبير يعمى المرء عن عيوب التكنولوجيا ويجعله يخاف منها وأيضا يشعر بالضآلة أمام من اخترع تلك التكنولوجيا، فلنحاول تجنب ذلك وأرجو أن يكون هذا المقال خطوة صغيرة نحو ذلك الهدف.

•  •  •

لنبدأ بأشهر تكنولوجيا فى أيامنا هذه: الذكاء الاصطناعى، لقد تكلمنا عنها فى مقالات عديدة فى السابق، لكننا اليوم سنتكلم عن بعض الأشياء المتعلقة بهذه البرمجيات قد تكون مفاجأة للبعض، وسنركز على أشهر أنواع برمجيات الذكاء الاصطناعى وتسمى تعليم الآلة أو (machine learning):

   •  نحن نعلم كيف تعمل هذه البرمجيات لكن لا نعرف بالضبط حتى الآن المدة التى تحتاجها للتعلم؟، مثل التلميذ فى المدرسة لا نعلم كم عدد المسائل التى يحتاج حلها حتى يتعلم؟ أو كم مرة يحتاج إلى حلها حتى تثبت عنده ويستطيع حل مسائل أخرى؟. هذه المشكلة تسمى (grokking) وتعنى بالعربية «الاستيعاب» وهى مشكلة ما زالت قيد البحث عند باحثى الذكاء الاصطناعى. لأنه بدون حلها لن نستطيع تحديد المدة التى بعدها يمكننا استخدام هذه البرمجيات والحصول على كفاءة معقولة منها.

   •  تلك البرمجيات تعطينا حلولاً أو إجابات لكنها لا تستطيع شرح الكيفية التى وصلت بها إلى هذا الحل، وهذه مشكلة كبيرة فى مجال تعليم الآلة وتسمى (explainability problem) أى مشكلة الشرح. هناك عدد من الفرق البحثية تبحث حاليا فى هذا الموضوع لكن لم تصل بعد إلى حل كامل. بدون القدرة على الشرح لن نستطيع أن نثق فى تلك البرمجيات حين نستخدمها استخدامات ذات درجة كبيرة من الأهمية مثل المجالات طبية والمجالات العسكرية، ولا نقصد طبعا التسلية الحالية التى لا تتجاوز التحدث مع البرمجيات.

   •  برمجيات تعليم الآلة تحتاج كميات كبيرة من البيانات المتوازنة والدقيقة وحاسبات فائقة السرعة لخطوة التعليم، لا ننسى أن تلك البرمجيات تسمى تعليم الآلة، حرف الـ«P» فى (chatGPT) تعنى (pre-trained) أى سابقة التعليم. عدد قليل من الدول تمتلك البيانات والقدرات التكنولوجية اللازمة لخطوة التعليم التى بعدها سنستخدم جميعا تلك البرمجيات، فهل نثق فى تلك الدول؟

وحيث إننا ذكرنا الحاسبات فائقة السرعة فهذا سيأخذنا للنقطة التالية.

•  •  •

فى مقال سابق تحدثنا عن قانون موور الذى هو من أهم أسباب زيادة قدرات أجهزة الكمبيوتر، ملخص الموضوع أن الترانزستور هو قطعة إلكترونية صغيرة وهى حجر البناء لأجهزة الكمبيوتر، كلما زاد عدد قطع الترانزستور داخل الرقائق الإلكترونية (chips) كلما تمكن مصممو أجهزة الكمبيوتر من صناعة أجهزة أسرع (بتبسيط مخل من كاتب هذه السطور)، المشكلة الآن أن هذا القانون توقف أو كاد، وبالتالى تصميم أجهزة الكمبيوتر فقد أهم مصدر لتصميم أجهزة أسرع. هناك بعض الحلول المؤقتة التى تستخدمها شركات تصميم الرقائق الآن حتى نستمر فى زيادة سرعة الكمبيوتر، لكن هذه الحلول قد تسعفنا لمدة سنتين مثلا، بعد ذلك إذا لم نجد حلاً فلن نتمكن من صناعة أجهزة أسرع. لاحظ أن البرمجيات خاصة المتعلقة بالذكاء الاصطناعى تزداد تعقيدا بسرعة شديدة أسرع من قدرة مصممى الحاسبات على تصميم حاسبات قادرة على تشغيل تلك البرمجيات. إذا استمر الحال على ذلك قد لا تتمكن الأجهزة فى المستقبل من تشغيل البرمجيات الجديدة وبالتالى سيعجز الباحثون عن تطوير البرمجيات وهذا كابوس تكنولوجى إذا كان لنا أن نسميه. هذا يأخذنا للنقطة التالية.

•  •  •

الحاسبات الكمية (quantum computing) هى أنواع جديدة من الحاسبات لا تعتمد على الدوائر الكهربائية العادية (الترانزستور كما أشرنا) بل تعتمد على قواعد فيزيائية تسمى ميكانيكا الكم، بدون الدخول فى تفاصيل معقدة فهناك أشياء مهمة متعلقة بتلك الأجهزة التى مازالت فى طور التجارب، أى لا يمكنك شراؤها خاصة وهى تعمل فى درجات حرارة منخفضة جدا:

   •  أمريكا والصين من أكبر الدول التى تنفق الملايين على هذه التكنولوجيا، لماذا؟ لأن أحد مصدر قوة هذه الأجهزة هى قدرتها على كسر التشفير المستخدم الآن حول العالم، وتستطيع تلك الأجهزة كسره أسرع بكثير من أقوى الحاسبات فائقة السرعة العادية. أعتقد أن الدولة التى ستصل لجهاز متكامل من هذه التكنولوجيا لن تعلن عن اكتشافها سريعا و«ستتسلى» بكسر تشفير أغلب قنوات الاتصال بين الدول والمؤسسات. فماذا نحن فاعلون؟

   •  هذه الأجهزة سريعة جدا، ولكن فى عدد معين من التطبيقات وليست سريعة لكل التطبيقات. من أهم التطبيقات هو كسر التشفير كما أسلفنا. هذا معناه أن أجهزة الكمبيوتر العادية لن تختفى.

   •  برمجة هذا الأجهزة مختلفة تماما عن أجهزة الكمبيوتر العادية حتى الفائقة السرعة منها، ومازالت بعض الشركات وبعض الفرق البحثية تعمل على تطوير لغات برمجة لتلك الأجهزة.

•  •  •

بعد هذه الجولة السريعة ماذا بيدنا أن نفعل؟

   •  لنكن مستعدين على مستوى البرمجيات، يجب تدريب طلابنا على برمجة الحاسبات فائقة السرعة بالإضافة إلى البرمجة العادية.

   •  الشركات دائما تضع مصلحتها فى المقام الأول فنحتاج تشريعات نافذة حتى نحجم من جشع الشركات الضخمة العابرة للقارات، ولنأخذ حذرنا.

   •  يجب أن نكثر من ورشات العمل والمحاضرات المتعلقة بالذكاء الاصطناعى وجوانب قوته وضعفه.

   •  عند استخدام الذكاء الاصطناعى فى شىء غير التسلية يجب أن نضع فى الاعتبار نقاط الضعف التى ذكرناها.

   •  حتى التكنولوجيا التى لا نستطيع الحصول عليها فى الوقت الحالى (مثل الحاسبات الكمية) لنقرأ عنها ونستعد لها ونعطى الطلبة نبذة عنها.

هناك الكثير من النقاط البحثية التى ذكرناها فى هذا المقال، فهل باحثونا مستعدون أم سننتظر ما يأتى به الغرب ثم نستخدمه؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved