نشرت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية مقالا للمراسل العسكرى «عاموس هرئيل» والذى يتناول الهجوم الأخير على النفق التابع للجهاد الإسلامى فى غزة، وتطورات المصالحة الفلسطينية فضلا عن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا.
استهل الكاتب حديثه عن انشغال وسائل الإعلام بتقارير بشأن مبادرات لسن تشريعات مريبة، وبالخلاف حول كيفية الاحتفال بالذكرى السنوية لاغتيال رابين، بينما تغرق إسرائيل فى مرحلة طوارئ أمنية لا يشعر بها الجمهور تقريبا. يوم الاثنين فجّر الجيش الإسرائيلى نفقا تابعا للجهاد الإسلامى محفورا تحت السياج الحدودى فى قطاع غزة، وقبل يومين وبحسب تقارير من الشمال، هاجم سلاح الجو مخزنا للسلاح تابعا لحزب الله فى وسط سوريا، وأطلقت بطاريات سورية مضادة للطائرات صواريخها ضد الطائرات الإسرائيلية التى كانت تحلق فى أجواء لبنان.
كل هذا فى الحقيقة غير طبيعى، حتى لو بدا أننا تعودنا عليه، إن سلسلة الهجمات على سوريا التى يمكن التقدير أن كل واحدة منها هى بحد ذاتها مبررة وتكتيكية، هى بمثابة اختبار لحدود صبر نظام الأسد، الذى أعادت نجاحاته الدموية فى الحرب الأهلية إليه ثقته بنفسه، وبدأ عمليا بتغيير سياسته فالطلعات الجوية الإسرائيلية فى أجواء لبنان جرى الرد عليها مؤخرا بإطلاق صواريخ أرض ــ جو. وعلى الرغم من أن سلاح الجو مدرب جيدا على التملص من النيران الموجهة إليه، يبدو أن إسرائيل تشد الحبل حتى ما يقترب من نهايته. فى وقت ما فى المستقبل قد يتعقد شيء ما خلال الهجوم نفسه أو خلال إطلاق النار ردا عليه. ومن هنا فإن الحذر والدقة متوجّبان فى عملية السيطرة على عجلة القيادة فى الجبهتين الشمالية والجنوبية.
ويضيف الكاتب إن التصعيد الأخير فى غزة لم يصبح وراءنا تماما، لقد فوجئوا فى إسرائيل إلى حد ما بالصمت المدوى للفلسطينيين بعد تفجير النفق الذى قُتل فيه 14مخربا على الأقل من الجهاد الإسلامى ومن «حماس» من بينهم قادة كبار، ومن المحتمل أن الجهاد الإسلامى يحضر هجوما استعراضيا يتطلب إعدادا أطول، أو أنهم فى الطرف الثانى ينتظرون مناسبة لاستغلال نقطة ضعف فى المنظومة الدفاعية للجيش الإسرائيلى فى الحدود مع القطاع. ويمكن أن تحدث محاولة هجوم انتقامى فى الضفة الغربية أيضا.
فى هذه الأثناء قرر الجيش الإسرائيلى مواصلة حالة التأهب القصوى مع أن ذلك لا يشعر به سكان غزة، ومن الواضح أن لدى حركة «حماس» سلم أولويات آخر. على رأس هذه الأولويات هناك تطبيق اتفاق المصالحة مع السلطة الفلسطينية، والاستفادة من الميزات المعطاة لها فيه مثل التخفيف من الحصار المصرى المفروض على معبر رفح، وزيادة التمويل المتوقع من رام الله، ويبدو أن «حماس» أكثر حماسة للاتفاق من السلطة التى تتقدم بحذر. فى هذه الأثناء أدت المصالحة إلى ترميم التنسيق الأمنى بين السلطة وإسرائيل. لقد أمر محمود عباس بتخفيض مستوى العلاقات مع إسرائيل بعد أزمة الحرم القدسى فى يوليو، لكن السلطة الآن بحاجة إلى إسرائيل من أجل التنسيق اليومى لعبور وزراء ووفود من رام الله إلى غزة. وحصلت إسرائيل فى المقابل على ثمن هو بشكل اتفاق صامت على إنهاء الأزمة واستئناف العلاقات على مستوى كبار المسئولين. فى المقابل فإن الأزمة مع الأردن التى بدأت نتيجة المواجهات التى وقعت فى الحرم القدسى الشريف، واستمرت بعد الحادثة التى قتل فيها حارس فى السفارة الإسرائيلية فى عمان مواطنين أردنيين بعد تعرضه للهجوم لا تزال تتعقد. فملا تزال عمان مستاءة وغاضبة ولا ترغب فى عودة السفيرة الإسرائيلية التى شاركت رغما عنها فى الاستقبال الذى أقامه نتنياهو للحارس لدى عودته إلى إسرائيل.
إن الصعوبة التى تواجهها إسرائيل فى غزة وفى سورية متشابهة: سلسلة نجاحات استخباراتية لا يمكن أن تشكل بديلا عن سياسة بعيدة المدى. هذا الأسبوع امتنع نتنياهو بحكمة عن التصريحات بشأن الأحداث التى شهدتها غزة. بالنسبة إلى سوريا، خفف نتنياهو ووزير الدفاع ليبرمان قليلا من ضبط النفس وأطلقا تصريحات تهدد إيران، التى تقوم بتعزيز وجودها العسكرى هناك وترسل ميليشيات شيعية إلى جنوب البلاد.
ختاما، لقد اتخذت إسرائيل اتخذت قرارا واعيا بعدم الانجرار إلى الحرب الأهلية فى سوريا، لكن الآن بعد أن استعاد نظام الأسد استقراره تبلور واقع جديد، يتعين علينا حاليا أن نحدد بدقة ما هى خطوطنا الحمراء، وأن نكون مستعدين لاستخدام قوة مباشرة ضد من يتجاوزها، أيضا من خلال تحمل مخاطر واعية.