مفاوضات قمة المناخ السابعة والعشرين
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الجمعة 4 نوفمبر 2022 - 9:20 م
بتوقيت القاهرة
لم تعد سوى ساعات قليلة تفصلنا عن قمة المناخ السابعة والعشرين التى تستضيفها مصر فى مدينة شرم الشيخ وتشارك بها حكومات العالم والمؤسسات الدولية ومنظمات المجتمع المدنى بهدف مواصلة التفاوض حول سياسات وأدوات الحد من التغير البيئى، والتقليل من آثاره السلبية على المدى القصير، والتكيف معها على المدى الطويل.
ومن واقع الأفكار والمقترحات المقدمة لقمة شرم الشيخ، إن من قبل الحكومات ومنظمات المجتمع المدنى فى دول الجنوب العالمى الذى يضم آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية والكثير من جزر المحيطات أو من قبل الدول الغنية فى الشمال الأمريكى والأوروبى ومعها اليابان وأستراليا، يبدو أن المفاوضات ستدور حول عدة محاور رئيسية.
• • •
المحور الأول هو العمل على تحقيق تقدم فعلى فيما خص تعهدات «التمويل من أجل المناخ» التى قطعتها دول الشمال على نفسها فى قمم المناخ السابقة ولم تضعها إلى اليوم موضع التنفيذ. فقد التزم الشمال الغنى بتقديم ١٠٠ مليار دولار سنويا لدول الجنوب لكى تواجه آثار التغير البيئى وتتكيف معها وتحد من التلوث عبر تقليل الانبعاثات الحرارية والكربونية ومن خلال الاستثمار فى الطاقة المتجددة والخضراء. غير أن دول الشمال تقاعست عن التنفيذ، وتحججت خلال السنوات القليلة الماضية إما بالتداعيات الاقتصادية والمالية لجائحة كورونا أو بالصعوبات الناجمة عن الحرب الروسية على أوكرانيا والمتمثلة فى ارتفاعات أسعار الطاقة والغذاء وانخفاض معدلات النمو الاقتصادى للتنصل من الوفاء بتعهداتها.
ستشهد قمة شرم الشيخ تحركات محمومة من قبل دول الجنوب لكى يتم التوافق على آليات محددة لإلزام أغنياء الشمال بالتمويل من أجل المناخ، ولمحاسبة المتقاعسين، وربما لرفع سقف التعهدات إلى ما هو أعلى من ١٠٠ مليار دولار سنويا. فإذا كان الشمال يتحمل تداعيات وصعوبات الجائحة وحرب روسيا، فإن معاناة شعوب دول الجنوب العالمى، باستثناء شعوب الدول المصدرة للطاقة، أكثر قسوة ومحدودية مواردها وقدراتها التى يمكن أن توظف لمواجهة التغير البيئى أشد وأوضح.
أما المحور الثانى لمفاوضات قمة شرم الشيخ فيرتكز إلى بناء التوافق بين حكومات الشمال والجنوب بشأن مبادئ وآليات التعويض عن خسائر وأضرار التغير البيئى. فى قمة المناخ السادسة والعشرين التى جرت أعمالها فى مدينة جلاسجو (٢٠٢١) ، طالبت دول الجنوب بتمرير قرارات ملزمة وواضحة تضمن تعويضها عن الخسائر والأضرار التى تتحملها بفعل صناعة وتكنولوجيا الشمال اللتين تسببتا تاريخيا فى التصاعد المستمر فى المستويات العالمية للانبعاثات الحرارية والكربونية ومن ثم فى ارتفاع درجة حرارة الأرض والكوارث البيئية. رفضت دول الشمال مطالبات الجنوب فى قمة جلاسجو، وانتهت أعمالها دون توافق بشأن مبادئ وآليات التعويض، وتكرر نفس التضارب بين الشمال والجنوب فى اللقاءات التمهيدية التى سبقت قمة شرم الشيخ.
والحقيقة أن مطالب الجنوب تتسم بالعدل والموضوعية ولا تنشد سوى التوازن العالمى المستند إلى حقائق العلم والتاريخ. فشعوب ودول الجنوب تتأثر أكثر من الشمال بالتغير البيئى وتواجه آثاره المدمرة على الرغم من الانبعاثات الحرارية والكربونية المسببة له جاءت من الشمال الذى راكم الثروات بفعل صناعته وتكنولوجيته الملوثة للبيئة. فكيف لا يحق للجنوب المطالبة بالتعويض عن خسائر وأضرار لا يتحمل مسئوليتها؟ ولماذا يتهرب الشمال وبعد أن استفاد لقرون طويلة من التطور الصناعى والتكنولوجى من تعويض الجنوب؟ بل إن مطالب الجنوب العادلة والموضوعية بحسابات العلم والتاريخ تكتسب بعدا مهما إضافيا حين نقارن بين محدودية الموارد والقدرات التى تحضر فى دوله للتعامل مع الكوارث البيئية كالأعاصير والفيضانات والحرائق والجفاف وبين توفر وتنوع موارد وقدرات دول الشمال.
صارت الكوارث البيئية هذه تتكرر على نحو دورى. وباتت إزالة الدمار الذى تخلفه فى البنى الأساسية والمرافق والخدمات مهمة تتجاوز بكثير ما يمكن للجنوب الفقير أن يفعله بمفرده لحماية شعوبه وصون حقوقها فى الأمن الإنسانى والتنمية المستدامة. وصار، من ثم، رفض الشمال للتوافق حول مبادئ وآليات التعويض عن الخسائر والأضرار دليل صلف واستعلاء وأنانية من لوثوا البيئة وراكموا الثروات ويتحايلون اليوم للتنصل من المسئولية.
منذ أسبوعين تقريبا، كنت من بين حضور ندوة نظمتها مؤسسة كارنيجى للأبحاث وشاركت بها سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، لبندا توماس غرينفيلد. تحدثت السفيرة عن الأولويات الكبرى لبلادها فى اللحظة الراهنة، وكان من بين ما جاءت على ذكره مسألة قمم المناخ والتغير البيئى حيث شددت على أن واشنطن لا تريد أن يتحول النقاش العالمى إلى مطالب متكررة من قبل دول الجنوب باتجاه الشمال بقطع التعهدات بالتمويل والتعويض عن الخسائر والأضرار وكأن دول الشمال بمفردها هى التى تتحمل مسئولية الانبعاثات الحرارية والكربونية وارتفاع درجة حرارة الأرض. وحين قيل لها أن هذه هى حقائق العلم والتاريخ وأن الشمال لوّث البيئة وراكم الثروات بينما الجنوب لم يشارك فى تلويث البيئة وترك للفقر وليس من العدل ولا من التضامن الإنسانى الامتناع عن تعويضه عن خسائر وأضرار تغير بيئى لم يتورط فيه ويتجاوز التعامل الفعال مع آثاره المدمرة موارد وقدرات دوله، ردت السفيرة التى ظهر عليها التردد بأنها تتفهم مطالب حكومات الجنوب المشروعة غير أن موقف بلادها يقضى بعدم اختزال مفاوضات قمم المناخ فى تقديم الشمال لمساعدات وتعويضات لا تنتهى.
أيا ما كان الأمر فإن دول الجنوب تبدو عازمة على وضع التوافق بشأن مبادئ وآليات التعويض عن خسائر وأضرار التغير البيئى على مائدة المفاوضات فى قمة شرم الشيخ، بينما تتردد دول الشمال بين الرفض الصريح كما فعلت فى جلاسجو وبين الانفتاح الجزئى على مطالب الجنوب.
• • •
أما المحور الثالث لمفاوضات الحكومات فى شرم الشيخ والتى ستسعى المؤسسات الدولية ومنظمات المجتمع المدنى الفاعلة فى الجنوب والشمال للتأثير عليها فيتمثل فى مراقبة وفاء دول الشمال والجنوب بتعهداتها فيما خصّ الحد من الانبعاثات الحرارية والكربونية كسبيل البشرية الوحيد للسيطرة على ارتفاع درجة حرارة الأرض. خلال الأسابيع الماضية، خرجت تقارير عديدة من مؤسسات دولية ومنظمات غير حكومية متنوعة واتحادات لعلماء البيئة أكدت على أن دول الشمال والجنوب أخفقت فى الحد من الانبعاثات، وأن الأرض مقبلة على ارتفاع فى حرارتها يصل إلى 2.4 درجة مئوية، وأن شيئا من الأمل فى تخفيض الارتفاع المتوقع لحرارة الكوكب إلى 1.8 درجة مئوية لم يزل قائما شريطة تحفيز دول الشمال والجنوب على الوفاء بتعهداتها.
وفى هذا الصدد، ستسعى الأطراف فى شرم الشيخ إلى التوافق حول التأسيس لسوق عالمية للانبعاثات الكربونية يحوى آليات واضحة للبيع والشراء بين الدول ولحساب المحفزات والعوائد الإضافية. والحقيقة أن التأسيس «لسوق الانبعاثات الكربونية» ورد كتعهد فى اتفاق باريس للمناخ (٢٠١٥) فى مادته السادسة، ويعد إلى يومنا هذا التعهد الوحيد فى الاتفاق الذى لم يفعل.
فى قمة جلاسجو الماضية، توافقت حكومات الجنوب والشمال على ما أسموه «القواعد المنظمة للمادة السادسة» والتى تضمنت إجراءات تأسيس السوق الكربونية وآليات عملها المستندة إلى فكرة التبادل بيعا وشراء بين الدول ذات الانبعاثات الكربونية المرتفعة (الصين نموذجا) وبين الدول غير الملوثة للبيئة (السويد نموذجا) والهادفة إلى التحفيز العالمى للحد من الانبعاثات.
وستكون مهمة قمة شرم الشيخ ترجمة تلك القواعد المنظمة إلى بروتوكول ملزم، ووضعه موضع التنفيذ، والإعلان عن بدء عمل السوق الكربونية.