تخيلت أننى إذا ما تابعت تداعيات واقعة حبس الطبيب الشاب محمود ناصر نائب العظام بمستشفى الجامعة بالزقازيق وعرضه على النيابة وحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق، أننى سأبذل بعضا من الجهد فى البحث. لكنى ويالدهشتى وجدت سيلا من التعليقات جرفنى معه إلى حد الخطر. نعم جاءت التعليقات من كل أنحاء البلاد. مستشفيات وزارة الصحة، مستشفيات الجامعة، الوحدات الصحية، إذن الكل فى الهم سواء الأطباء والمرضى، وقد كان أن الملاحظات والتعليقات جاءت أغلبيتها من الأطباء الشبان الذين لهم علاقة مباشرة بالمرضى فى أقسام الاستقبال والطوارئ والحوادث. بدلا من أن يوحد الهم الواحد بين الأطباء والمرضى جعل منهم خصوما يتحفز أحدهم للآخر. ما حدث سمح لرياح الكراهية أن تهب منذرة بعواقب وخيمة وعواصف من الغرق يميل معها أعتى شراع!
نشرت وسائل التواصل الاجتماعية الأوامر الإدارية الحازمة التى تتالت فى كل المستشفيات ومنها معهد القلب القومى التى تحرم وتجرم أن يطلب الأطباء فى جميع أقسامها وعياداتها من المرضى شراء أى مستلزمات طبية غير موجودة بالمستشفيات. رغم أن تلك الأوامر الإدارية تقتضى آداب مهنة الطب الأخلاقية ألا تنشر فى العلن إلا أنه فيما يبدو أن الكيل قد فاض بالأطباء فبدأوا الدفاع عن أنفسهم بكل الوسائل. لم تسلم تلك الأوامر الإدارية من انتقادات حادة وسخرية لاذعة فالواقع أن تلك الأوامر حرمت أن يلجأ المرضى لشراء مستلزمات علاجهم لكنها للأسف لم تتضمن أى إشارة إلى وسيلة لتوفير تلك المستلزمات بأى صورة من الصور.
تمنيت لو أننى بالفعل جمعت كل تلك التعليقات فى ملف رغم حدتها وتطاولها أحيانا لكنها تنضح بصدق المعاناة التى يعانيها الآن أى طبيب خاصة الشباب ومنهم الكثيرون ممن أشهد أمام الله بصدق إيمانهم برسالة الطب ورغبتهم فى تقديم أفضل خدمة للمريض غير القادر أو الذى يسعده الحظ بقرار علاج على نفقة الدولة بدون رصيد.
كتب الأطباء عن معاناتهم مع الإدارات التى لا توفر لهم الحد الأدنى من المستلزمات الطبية والمستهلكات التى لا يملكون العمل بدونها وحرمت عليهم أن يلجأوا لأهل المريض الذين يرونهم جلادين يملكون لهم العلاج وعن العمل هم متقاعسون بل هم لا يتحركون إلا بالرشوة. هكذا وقع طبيب العظام الشاب فى مصيدة النيابة الإدارية التى أحكمتها باتفاق بالتعاون مع أحد هؤلاء المرضى الذى أراد الطبيب حديث التخرج أن يساعده!
من يريد أن يعرف حقيقة اتجاه الريح عليه أن يلجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعى ليرى ماذا يقول الأطباء.
* متضحيش بمستقبلك علشان مريض غلبان مفيش مريض غلبان.
* من حق أى طبيب أن يشرح لأى مريض أنه لا حيلة له وأن الدولة تمنعه من أداء عمله لأنها لا توفر له أى إمكانيات.
* المريض الغلبان ده يحل مشاكله مع المسئول عن توفير الرعاية الصحية للغلبان أو المسئول عن كونه غلبان فى بلد مفيهاش حقوق للغلبان ومن دورك انت انك تغزل برجل حمار علشان تحلله مشاكله، علشان لو ماتحلتش أو حتى اتحلت فى الحالتين هيبقى أنت المسئول وانت اللى اخترت تشيل مسئولية غيرك فمتزعلشى بقى لما تشيل عقابه.
* يا عزيزى المريض يأتى للمستشفى مضمرا الشر للدكتور. اكتب مكاتبات للمدير بالمشكلة لتكون دليلا ضده، أنا متأكد لو حد كبير استدعاه فيشهد أن كل شىء تمام وسيتركك لمصيرك.
* طبيب جراحة القلب الأشهر أعلن أنه لن يقدم على إجراء عملية إذا كانت نسبة الخطورة فيها ٢٪ بعد اقرار من المريض وأهله وضرورة معرفتهم بنقص المستلزمات.
* سجل نائب قلب عرف عنه الاجتهاد والمثابرة والرغبة الدائمة فى المساعدة أنه توجه لمستشفاه وقام بتوجيه كل المرضى الذين لم تتوافر لهم مستلزمات إلى مكتب المدير ثم شرب فنجانا من الشاى ومضى فى الدفتر وانصرف.
هذا يا أصدقائى طرف من بعض ما يحدث من شباب الأطباء وأمل مهنة الطب فماذا عن حديث المرضى غير القادرين يا سادة وهم يتابعون قرار التأمين الصحى الذى أقره مجلس الشعب والان على صفحات الجرائد ومحطات التليفزيون، وأعضاؤه يتبادلون التهانى بصدوره بعد سنوات من الجهاد ليكون مظلة لكل المصريين. ماذا تراهم يا ترى يعدون لطبيب الوحدة الصحية الذى أعلن وزير الصحة بذاته أن مرتبه سيصبح ثلاثين ألفا لا تنقص ألفا!
وكم ذا بمصر من المضحكات.. ولكنه ضحك كالبكا!
رحم الله المتنبى جاء تشخيصه سليما!