وحيد حامد وكورونا
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 5 يناير 2021 - 7:40 م
بتوقيت القاهرة
لم يكن رحيل الكاتب الكبير وحيد حامد بسبب الإصابة بفيروس كورونا، ولكن بسبب أسباب صحية أخرى ألمت به، ولكن أوجه الارتباط بينهما أن القدر لم يمهل هذا المبدع الوقت حتى يرصد التغيرات التى كشفها الفيروس القاتل فى حياة المصريين، وهو الذى استطاع ببراعة فى العقود الأخيرة أن يتناول قضايا الفساد، والتطرف، واستغلال النفوذ، وجميعها أدت إلى تحلل أعماق المجتمع، مظاهر جسدتها عبارته الشهيرة فى فيلم «طيور الظلام» «اللى يشوف البلد من فوق، غير اللى يشوفها من تحت».
فى أزمة كورونا نرى البلد «من تحت». الشوارع التى أصابتها الفوضى والزحام والعشوائية قبل أن تصيبها الكورونا، الازدحام الشديد فى كل مكان، ضعف الاحتراس والنظافة الشخصية، مشكلات الإدارة اليومية فى كل المجالات، أزمات التعليم، وغيرها. تجمع المئات على «كوبرى ستانلى» يحتفلون ويتظاهرون ضد «كورونا»، وهو نفس السلوك الذى نجده فى كل «سوبر ماركت» يقدم عروضا مخفضة على السلع، أو فى الأسواق العامة، وخلافه. لا يزال هناك من يلجأ إلى الاحضان والقبلات لإظهار مودته تجاه شخص يقابله، ويكشف موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» ظاهرتين متناقضتين، الأولى اخبار الوفيات، وطلب الدعاء للمرضى والمصابين بالكورونا، التى بدأت الناس تطلق عليه «المرض اللعين»، أسوة بالسرطان، والظاهرة الثانية التباهى بالتجمعات البشرية فى السياق الاجتماعى من خلال نشر صور تجمع الأسر أو الأصدقاء أو غيرها، وهى تناقض تماما أية إجراءات احترازية، وكنت منذ أيام مصادفة فى أحد الأحياء الشعبية، وكان هناك فرح فى الشارع، يجمع على الأقل ما يزيد عن مائة شخص بلا أى احتراز أو ضوابط.
هذه المشاهد ــ بالمناسبة ــ ليست جديدة، بل معتادة، تألفها العين، ولكن الجديد هو «كثافة الصورة»، نتيجة تجمع العديد من المشاهد فى وقت واحد، نرى من خلالها استهتارا وقبحا وفوضى، كانت بالتأكيد بحاجة إلى قلم سيناريست مهم مثل الراحل وحيد حامد. ولكن يُخطئ من يظن أن هذه الظواهر ظهرت فجأة فى المجتمع، بل هى تعود إلى تراكم أزمات التنمية على مدى عقود ممتدة، عبرت عن نفسها بكثافة الآن. تماما مثل الجسد العليل، الذى يبدو ظاهريا صحيحا، وعندما يهاجمه مرض، تظهر عليه علامات الوهن والضعف، وتتكالب عليه الأمراض. المجتمع كذلك، جسد مريض، هاجمه الوباء فأظهر كل أمراضه الاجتماعية والنفسية والسلوكية.
فى الموجة الأولى لوباء «كورونا»، استعانت إيطاليا بخبراء من الصين، قال أحدهم مستنكرا: لا يزال هناك ناس كثيرون فى الشوارع، ينبغى أن يلزموا بيوتهم. إذا كان هذا تعليقه على بلد يلتزم فيه الناس إلى حد بعيد بالإجراءات الاحترازية، فماذا ستكون صدمته عندما يتجول فى شوارع المحروسة، ويرى ما فيها من مظاهر انفلات وفوضى؟
إن المجتمع يدفع الآن فاتورة باهظة نتيجة عقود ممتدة من تراجع التعليم، والثقافة، والفنون، والتضحية بالذوق العام، والتساهل مع الفساد، وبقى أن يواجه «كورونا» بكل شراستها. وبعد أن كان هناك من يراهن على «ثروته» فى اختيار حياة، وتعليم، ورعاية صحية، ورفاهية جيدة، بينما يعتصر البؤس بقية المجتمع، لم يعد هناك فرق بين الناس، الكل مهدد، الكل فى مرمى «كورونا».