التصريحات المتفلتة للمسئولين فى إسرائيل تُفاقم تردّى وضعها القانونى
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الجمعة 5 يناير 2024 - 8:45 م
بتوقيت القاهرة
طلب الاستئناف الذى تقدمت به جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية، بدعوى أن إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية فى غزة، والتماسها المطالبة بإصدار أمر مؤقت لوقف نشاطاتها العسكرية فى غزة، قد يمثل خطرا حقيقيا على الموقف الإسرائيلى. إن مثل هذا الأمر موجّه ضد الدولة، ولا يحدد مسئولية شخصية جنائية لفرد ما، لكنه يمكن أن يُستخدم أيضا كخلفية وأساس لإجراءات قضائية فى المحكمة الجنائية الدولية، وخصوصا إذا وجهت محكمة العدل الدولية إصبع الاتهام إلى شخصيات معينة.
تتمثل المشكلة، إسرائيليا، فى أن جريمة الإبادة الجماعية معرّفة، بصورة قاطعة، بأن هدفها التدمير الكلى أو الجزئى لمجموعة قومية، أو إثنية، أو عرقية، أو دينية. وعندما يترافق هذا الهدف مع قتل عدد، ولو كان قليلا، من هذه المجموعة الكبرى، أو حتى التسبب بإصابة خطرة لبعض هؤلاء، فإن هذه الأفعال تندرج فى إطار جريمة الإبادة الجماعية. كذلك هى الحال بشأن فرض ظروف معيشية معينة على مثل هذه الفئة، بهدف القضاء عليها، إمّا بصورة شاملة، أو جزئية.
عادةً ما يكون هناك مشكلات فى إثبات الأساس النفسى لهدف الإبادة. لكن سيكون فى الإمكان، فى حالتنا هذه، عرض سلسلة طويلة من تصريحات الساسة الإسرائيليين أمام المحكمة (وضمنها تصريح الوزير عميحاى إلياهو، الذى قال إن إلقاء قنبلة نووية على غزة هى «طريقة إضافية» للقتال ضد «حماس»)، وقادة الرأى الذين دعوا إلى التعامل مع غزة كما تعامل العبرانيون القدامى مع شعب العماليق (مثلا، نتنياهو الذى اقتبس فى رسالته الموجهة إلى الجنود مقطع «تذكّر ما الذى فعله بك العماليق»)، وتجويع سكان غزة بلا رحمة، وغياب أى تمييز بين مقاتلى «حماس» وسكان غزة من غير المقاتلين، والدعوة إلى التخفيض الجذرى لعدد سكان غزة (بناءً على تصريح وزير المالية بتسلئيل سموتريتش: «إذا كان فى غزة 100 أو 200 ألف من العرب، بدلا من مليونين، فإن النقاش بشأن اليوم الذى يتلو الحرب سيكون مختلفا»)، أو الإبادة الجماعية لهؤلاء السكان.
إن التعريف الغامض والفضفاض لأهداف الحرب المعلنة أيضا، وخصوصا إزاء كل ما يتعلق بالبنية السلطوية (لا العسكرية) لـ«حماس» فى غزة، لا يفيد إسرائيل. إلى جانب امتناع النيابة العامة من فتح تحقيقات ضد عبارات واضحة تدعو إلى إبادة شعب. إن هذا الخطاب غير المسئول، والهائج، يضرّ بإسرائيل كثيرا.
إن الطريقة للحد من الأضرار هى فى وضع حاجز فاصل بين هذه الثرثرة وبين قيادة الجيش. سيكون هناك حاجة إلى إظهار أن الجيش لا ينجرف مع هذا التيار العكر، ويلتزم قوانين الحرب والمبادئ الأخلاقية الإنسانية الأساسية. سيكون من السهل النجاح فى تحقيق ذلك عندما يكون المقصود أشخاصا من المؤثرين بمختلف أنواعهم. لكن سيكون من الأصعب فعل ذلك عندما تصدر هذه التصريحات عن سياسيين وأعضاء فى الحكومة يخضع الجيش لهم. عندما تقوم إسرائيل أمام المحكمة بعرض الفظائع التى قامت بها «حركة حماس» إلاّ أنه من الخطأ اعتبار هذا الأمر كافيا، لأن الصور المرعبة قد تُفسّر بأنها حافز للانتقام والرد المتطرف غير الملجوم، الذى يصل إلى حد الإبادة الجماعية.
يجب أن نأخذ فى اعتبارنا أيضا أن دلائل ستُقدم إلى المحكمة على ما ألحقته هجمات الجيش بالسكان المدنيين، وهؤلاء، بحسب القانون الدولى، لا يتساوون مع «حماس». ونحن كإسرائيليين، لا نشاهد هذه الصور والمعاناة الخطِرة فيها، وهو ما يخلق لدينا تصورا جزئيا ومشوها عن الواقع. هذه الصورة المتشكلة لدينا ليست هى الصورة التى ستراها المحكمة.
• • •
إن الضرر الذى قد يلحق بإسرائيل ليس ضررا قانونيا فحسب. فإذا أصدرت محكمة لاهاى أمرا احترازيا، سواء أكان كاملا أم جزئيا، أو حتى لو لم تُصدر المحكمة أمرا كهذا، واكتفت بتوجيه انتقاد لسلوك إسرائيل فى غزة، فإن حركة مقاطعة إسرائيل فى العالم ستتعزز بكثافة. ومن المرتقب أن نشهد محاولات لفرض عقوبات على إسرائيل بواسطة مجلس الأمن (وما من أحد يمكنه إنقاذنا من أيدى هؤلاء سوى بايدن)، أما العلاقات الإسرائيلية بالدول العربية فستكون أمام اختبار صعب، ومكانة إسرائيل فى العالم ستتضرر بصورة جسيمة.
هناك عاملان يؤديان إلى تدهور مكانة إسرائيل أمام كلٍّ من المحكمة والمجتمع الدولى: حقيقة أن أعضاء حكومة إسرائيل والكابينيت السياسى ــ الأمنى الخاص بها هم من الوزراء العنصريين والأصوليين؛ وكون إسرائيل انحرفت عن طريق جهود التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين، بل إنها ترفض هذا المسار إلى حد حرمانهم من تقرير المصير القومى. هذان العاملان يجعلاننا خاسرين فى الساحة الدولية.
ما دامت إسرائيل مستمرة فى السير فى هذه الطريق المسدودة، فإن موجات معاداة إسرائيل والسامية سترتفع، وستواصل مكانة إسرائيل بين الدول بالتدهور. ولو كانت إسرائيل ساعية للسلام، وملتزمة القيم الإنسانية، لما كان فى الإمكان استدعاؤها للمثول أمام محكمة العدل الدولية.
مردخاى كرمنيتسر
هاآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية