حكومة الثورة المضادة

عمرو خفاجى
عمرو خفاجى

آخر تحديث: الثلاثاء 5 فبراير 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

لا أعتقد مطلقا، أن الدكتور هشام قنديل يرغب فى إثارة أى معركة مع الإعلام، أو حتى التحرش به، بل أنا متيقن أنه كان يبدى ملاحظة، مجرد ملاحظة، على طريقة وصف الإعلام للشباب الذين تصدروا واجهة المشاهد الملتهبة خلال أسبوع الذكرى الثانية لثورة يناير، فالدكتور قنديل قال إنه إعلام «مضلل»، على اعتبار أن هؤلاء الشباب لا يمكن أن يكونوا ثوارا أبدا أو محبين لهذا البلد، وبالتالى يكون الإعلام قد ضلل الرأى العام عندما يصف هؤلاء الشباب بالثوار، وهذا بالطبع من حق السيد رئيس الوزراء، وإن كنا نتمنى أن يشرح لنا أسبابه ويقدم براهينه على ذلك، خاصة أن وصف الإعلام بالتضليل، لا يظهر ولا يتم الترويج له، إلا فى الوسائل الإعلامية المتهمة بذلك، والتى إذا لم تفعل فلن يعرف أحد أن هناك من يرون أن الإعلام فاسد ومضلل (فى حالة امتناعه عن ذلك يكون مضللا بالفعل)، ولكنى لا أعتقد ــ بأى حال من الأحوال ــ أن المشكلة إعلامية، بدليل أن الدكتور هشام قنديل نفسه، أضاف فى نفس تلك التصريحات، أن الحكومات المتعاقبة بعد الثورة بما فيها حكومته، فشلت فى استيعاب الشباب، وهو الأمر الذى يجب أن نأخذه مأخذ الجد، لأنه يكشف جزءا من المأساة التى تهيمن على المشهد السياسى فى مصر.

 

فالمشكلة ليست النظر إلى الإعلام باعتباره مضللا للرأى العام، بقدر ما هى حقيقة توصيف الشباب الغاضب وسلوكياته العنيفة، ويرى السيد رئيس الوزراء أنهم ليسوا ثوارا، بل بلطجية ومخربين، وهنا تبلغ المأساة ذروتها، بتحويل الثورة كلها عن مسارها وأهدافها، إلى مجرد أعمال شغب مأجورة من أجل «العكننة» على الحكم والحكومة والحكام الجدد، وإذا كان رئيس الوزراء يرى ذلك، ويعلنه أيضا بلغة غاضبة، فكيف سيستقبل الشباب الثائر هذه النوعية من الأخبار، أو النتائج التى توصل إليها تحليل الدكتور قنديل، هنا لن نصل إلا إلى نتيجة واحدة هى أن الحكومة بالفعل فشلت فى التواصل مع الشباب، وهذا ما اكتشفه الدكتور قنديل دون أن يعرف الأسباب، بالرغم من أن فى مقدمة الأسباب ما قاله هو شخصيا عن أن الشباب بلطجية (!!).

 

إذن الإعلام لم يضلل الرأى العام، بل الحكومة، أو الحكومات، هى التى ضللت نفسها فى تعاملها مع الشباب، ومع استيعاب مطالبهم، بالرغم من أن الجميع ظل يردد، ثورة الشباب، ومطالب الشباب، على مدى عامين، دون تحقيق أى مطلب، أو اتخاذ أى قرار يدل على أنها ثورة شباب، ومن الأمور الجيدة أن يعترف السيد رئيس رئيس الوزراء بالفشل فى استيعاب الشباب، لكن الأمر غير الجيد بالمرة هو وصفهم بالبلطجية، والحط من شأنهم، فى ذات اللحظات التى يشعر فيها هؤلاء الشباب بالخديعة من نظام الحكم ومن رفقاء الميدان، الذين انقلبوا عليهم. وايضا على السيد رئيس الوزراء أن يبلغنا بما لديه لعلاج فشل حكومته فى استيعاب الشباب وتحقيق مطالبهم.

 

إن انحياز الحكومة يجب أن يكون واضحا فى اتجاه الثورة، وأن يكون هذا الانحياز واضحا ــ أيضا ــ فى استخدام الحوار لحل مشاكل السياسة، أما استعمال الأمن لحل مثل هذه المشكلات فهذا ما يؤكد أن الحكومة مستمرة فى «البلطجة» على الشباب، ومستمرة فى السير قدما نحو اعتبارها حكومة الثورة المضادة، كما يصفها بعض شباب الثورة.. فماذا يمكن ان يقال عن حكومة جاءت بعد ثورة شباب على قمع أمنى، ترى أن هذا الشباب بلطجى وتقمعه بسلطة وقوة الأمن؟

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved