قوة الصوت
داليا شمس
آخر تحديث:
السبت 5 فبراير 2022 - 8:15 م
بتوقيت القاهرة
تحتفل مدونة «صوتى يا كايرو» (sautiyacairo.blogspot.com) بمرور عام ونصف على إنشائها، وهى مشروع تعاونى بين مركز الصورة المعاصرة بالقاهرة ومنصة شيمورنجا التى تعنى بالشئون الإفريقية سواء الأدب أو فنون أو تأملات سياسية وتَصدرُ عنها مجلة فصلية ومحطة إذاعية عبر الإنترنت. استلهمت المدونة اسمها من كلمة sauti وهى كلمة باللغة السواحيلية مشتقة من أصل عربى «صوت»، استخدمتها مصر فى منتصف خمسينيات القرن الماضى لبث إحدى إذاعاتها الموجهة إلى وسط وشرق القارة السوداء، وكانت بعنوان «صوت أفريقيا الحرة»، وبالسواحيلية «Sauti Ya Uhuru Wa». كانت هذه الإذاعة ضمن رؤية ناصرية شاملة لدعم حركات التحرر من الاستعمار ومساندة العديد من الدول الأفريقية على الاستقلال، فى وقت لعبت فيه الإذاعات دورا هاما بهذا الصدد وكانت إحدى وسائل التأثير الفعالة على الشعوب. كانت دول العالم تتبارى فيما بينها ليكون لها صوت مسموع فى أفريقيا، وبالتالى كان «راديو موسكو» و«صوت أمريكا» يبثان محتوى بالسواحيلى، ثم دخلت إسرائيل، الدولة الناشئة حينها، على الخط، وكثفت جهودها خاصة بعد العدوان الثلاثى فى 1956 من خلال برنامج تعده إذاعتها الرسمية بالسواحيلى، إلا أن راديو القاهرة كان الأكثر نشاطا وقبولا.
بعد ذهاب عبدالناصر لمؤتمر «الحياد الإيجابى» فى باندونج سنة 1955 حظى بشعبية كبيرة، وخصصت القاهرة سبع ساعات يوميا للإذاعات الأفريقية، معظم المواد الخاصة بها كان يأتى من خلال المنفيين واللاجئين المدعومين والمقيمين فى مصر. وفى هذا الإطار، دوى صوت إذاعة «صوت أفريقيا الحرة»، منذ أبريل 1957. حثت الإذاعة المستمعين على الثورة على المستعمر وأكدت على فكرة أن «أفريقيا للأفارقة»، ما أثار حنق بريطانيا واكتشف تقنيوها أن هذه «الإذاعة المحرضة» تبث من القاهرة، واعترفت أنه لولا وجودها لكانت نجحت فى استمالة بعض رجال النخبة، لكن هؤلاء كانوا يتهيبون الموقف بسبب تأثير راديو القاهرة.
***
أتوقف قليلا حول ظهور الراديو فى بداية القرن العشرين وكيف ساهم فى نشر ثقافة جماعية سائدة فى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وكيف لعب دورا سياسيا محوريا فى أفريقيا، رغم أنه دخل القارة السوداء على يد موظفى الدول الاستعمارية الكبرى والبعثات الدينية التبشيرية. اعتمدت عليه الدول الناشئة وحكامها الجدد لبسط نفوذهم ونشر أفكارهم فى بلاد الكثير من أهلها لا يقرءون ولا يكتبون، غير أنها مترامية الأطراف ولا يساعدهم أحيانا البعد الجغرافى فى الوصول إلى الهدف، وبالتالى كان الراديو هو حليفهم وممثلهم الأول، فصوت القائد الذى يحدثهم فى الحقل ويصحبهم حيثما كانوا يؤدى الغرض ويتغلب على ضعف السلطة المركزية أحيانا أو عدم قربها من عقلية الناس.
***
قوة الصوت هى سحر الراديو، يرغب من لا صوت له أن يستمع له الآخرون، يريد أن يستنجد بأحد، أن تصل رسالته، أن يتفهم البعض موقفه ربما يقنعهم بعدالته، وهو ما يجعل الراديو مسموعا حتى الآن فى وقت الأزمات والحروب، ومن هنا أيضا كان ظهور العديد من الإذاعات الخفية أو مجهولة المصدر فى دول مثل الجزائر وغيرها فى الخمسينيات والستينيات، أقليات ومنظمات سرية تعبر عن نفسها وتجذب آخرين لقضيتها بغض النظر عن موضوعيتها، وبغض النظر عن حجم البروباجندا السياسية الذى تحمله. بالطبع قد ننظر لمثل هذه النوعية من الدعاية السياسية بعين الاستهجان حاليا، وقد نقيم التجربة برؤية نقدية صارمة، لكن هذه كانت طبيعة العصر وربما للضرورة أحكام، كل هذا لا يمنع الرغبة فى الاستقصاء والرجوع إلى فترة بعينها لتحليل ما حدث فيها، وهو ما تحاول تقديمه مدونة «صوتى يا قاهرة» التى تحدثت عنها فى البداية، فهى تطرح أسئلة حول دور مصر فى حركات التحرر، وعن الراديو كأداة ساهمت فى تشكيل فكرة الوحدة الأفريقية، وعن المؤسسات المختلفة التى أدارت علاقة مصر بمحيطها الأفريقى، كالأزهر والجمعية الأفريقية التى سميت فى البداية «بيت أفريقيا» وأشرف على تكوينها السفير محمد عبدالعزيز إسحاق ثم معهد الدراسات الأفريقية، تلقى المدونة الضوء أحيانا على بعض الدوائر والأحداث غير الرسمية. فى النهاية هى محاولة للتعمق قليلا فى موضوع لم يُعْطَ الكثير من الاهتمام لفترة طويلة، ومن الجدير بنا أن نتوقف عنده ونعيد اكتشاف بعض شخوص وأحداث المرحلة بتمعن.