فى عشق جولييت بينوش

خالد محمود
خالد محمود

آخر تحديث: الأربعاء 5 فبراير 2025 - 8:35 م بتوقيت القاهرة

أعترف أننى وقعت فى غرام الممثلة جولييت بينوش منذ أن شاهدتها فى «المريض الإنجليزى» رائعة المخرج أنتونى منجيلا عام ١٩٩٦، بتجسيدها كتلة من المشاعر الإنسانية بشخصية «هانا»، الممرضة الكندية التى تعتنى برجل محترق كليًا يُعرف بأنه المريض الإنجليزى لا يدل على هويته شىء سوى نسخة من تاريخ هيرودوتس مليئة بالصور والرسوم والكتابات، فى دير إيطالى أواخر الحرب العالمية الثانية. تتعلق هانا بالمريض الذى لا يتذكر ماضيه، وتجد فيه العزاء عن كل الذين أحبتهم وماتوا، تمتلك بينوش علاقة غرامية مع الكاميرا وحضورًا طاغيًا بصورة مذهلة، وقد توجت بجائزة أوسكار أفضل ممثلة مساعدة.

 


ويأتى اختيار مهرجان السينمائى لها لترأس لجنة تحكيم دورته الـ٧٦ المقبلة، ليعد لفتة ذكية لتتويج مسيرة أحد أشهر الوجه الفرنسية بالعالم، الحافلة على الشاشة وخارجها، المرصعة بنحو 70 فيلمًا و40 عامًا، متخليًا عن نجوم هوليوود الذين سيطروا على تلك المكانة لدورات متعددة وآخرهم جريتا جيرويج.
بينوش شعرت بأن ما قدمته يستحق وبكلمات بسيطة تحمل عمق التجربة، قالت: «أتطلع بفارغ الصبر إلى مشاركة هذه اللحظة المهمة من حياتى مع أعضاء لجنة التحكيم والجمهور، فى عام 1985، صعدت سلالم كان للمرة الأولى كممثلة شابة مليئة بالحماس والقلق، لم أتخيل يومًا أننى سأعود بعد 4 عقود فى هذا الدور الشرفى كرئيسة للجنة التحكيم، أشعر بامتنان كبير لهذا الامتياز، وأدرك حجم المسئولية والحاجة المطلقة إلى التواضع أمام تجارب الآخرين».
تحظى بينوش بتقدير وحب الجمهور والنقاد على السواء، هى مثال للالتزام بفنها وعصرها - حيث جمعت بين أعظم صناع الأفلام فى فيلموغرافيا مسيرتها ذات المستوى العالمى، مثلت فى أفلام لكبار المخرجين الذى الهمتهم هالتها الإبداعية، منهم الفرنسيون جان لوك جودار وليوس كاراكس وأوليفيه اسايس، وكلير دينيس، وكذلك للبولندى كريستوف كيشلوفسكى والكندى ديفيد كروننبرج والنمسوى مايكل هانيكى، وأبيل فيرارا (الولايات المتحدة)، نعومى كاواسى وهيروكازو كوريدا (اليابان)، كريستوف كيشلوفسكى (بولندا)، وهو هسياو هسين (تايوان).. وعباس كياروستامى الذى قدمت معه فيلم «نسخة موثقة»، وهو يعبر بشكل أفضل عن هذه الشهية اللا محدودة للتمثيل بعمق، وأندريه تشينيه التى قدمت معه فيلم «راندى فو» الذى شكل انطلاقة نجوميتها، ناهيك عن الأفلام التى أخرجها برونو دومون، من (كاميل كلوديل 1915) إلى (خليج سلاك).
مجرد عدد قليل من عمالقة السينما العالمية الذين اصطفوا للعمل مع هذه الممثلة العنيدة على مدى العقود الأربعة الماضية، تتمتع وجهها بقوة تتجاوز الأنواع والحدود، وتجسد ملامحها الحية التعاطف الحارق الذى يميز أعظم أدوارها. من أدائها المذهل فى فيلم «المريض الإنجليزى» إلى تصويرها المؤثر فى فيلم «ثلاثة ألوان: أزرق»، ودورها الآسر فى فيلم «شوكولا»، والفيلم الملحمى الخيالى العلمى «جودزيلا» (2014) وعملها الأخير فى فيلم «طعم الأشياء»، وهو ما يوضح ذوقها للحرية والشجاعة لتحدى نفسها باستمرار. وهذا هو بلا شك سبب تنوعها وعدم القدرة على التنبؤ بفنها ـ لتعد من بين القلائل الذين تمكنوا من تحقيق الإنجاز الثلاثى المتمثل فى نيلها جوائز المهرجانات الأهم، وهى «كان» و«فينيسيا» و«برلين»، كما حصلت على جوائز عديدة، من بينها بافتا وسيزار.
لم تقتصر مساهماتها على الفن فقط بل كانت دائمًا صوتًا قويًا فى الدفاع عن القضايا الإنسانية. لا تتردد فى اتخاذ مواقف سياسية شاركت فى حملات لدعم حقوق الإنسان، والمرأة فى إيران، والبيئة، والأشخاص الذين يملكون أوراق إقامة وعمل فى فرنسا. وعبرت عن تضامنها مع المخرج الإيرانى المسجون جعفر بناهى برفع لافتة باسمه فى مهرجان كان، كما دعمت حركة #MeToo، وتحدثت عن تجاربها الشخصية فى بداية مسيرتها الفنية لتدعم أولئك الذين يفضحون الاعتداءات الجنسية دعوتها إلى كسر الصمت حول هذا الموضوع، بالإضافة إلى استخدامها منصتها للتوعية بالمخاطر البيئية التى تهدد كوكبنا.
وفى الآونة الأخيرة، وقعت نداء جديدًا بعنوان «دفاعا عن الثقافة» يرفض توجه الحكومة إلى خفض الاعتمادات المخصصة لهذا القطاع فى الموازنة العامة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved