حرب إسرائيل النفسية على الثورة
إبراهيم يسري
آخر تحديث:
السبت 5 مارس 2011 - 9:39 ص
بتوقيت القاهرة
استطاعت الثورة المصرية، بل قُل الثورة العربية التى اندلعت فى العديد من أنحاء العالم العربى، أن تسحب البساط من تحت أرجل إسرائيل التى كانت تصور نفسها فى أعين العالم، ولعقود طويلة، على أنها جزيرة ديمقراطية وسط بحر متلاطم الموج من التخلف والتطرف. اكتشف العالم أن الشعوب العربية، وإن صبرت طويلا على أنظمتها السلطوية، إلا أن تطلعها للحرية لم يتوقف فى يوم من الأيام، وأثبتت قدرتها على التغيير، وفوق هذا الحرص على الوصول إلى غاياتها بشكل سلمى متحضر.
كان على إسرائيل أن تتعامل مع هذا الوضع الجديد، ومحاولة استمرار حصولها على التأييد والدعم الذى كانت تتمتع به وخاصة من قبل الولايات المتحدة.
حاولتُ خلال الأيام الماضية أن أرصد التحركات الإسرائيلية فى مواجهة هذه الأوضاع الجديدة. وأمكننى أن أحصر تحركها على أربعة محاور تندرج كلها تحت حرب نفسية مضادة للثورة. المحور الأول: إثارة الفزع من هذه التطورات على الجبهتين المصرية والعربية والتحذير من نتائجها. والثانى: إشاعة أكبر قدر ممكن من المغالطات وتعمد التضليل فى محاولة للتنصل من أية التزامات ارتبطت بها فى السابق. أما المحور الثالث: فيحاول تعديد أفضال إسرائيل على الولايات المتحدة خلال السنوات الماضية، والخدمات التى قدمتها لها على امتداد العقود. أما المحور الرابع: فيجىء تتويجا لكل ما سبق ويتركز حول ضرورة مضاعفة الولايات المتحدة لمعوناتها العسكرية إليها، من أجل مواجهة الأخطار الجديدة الناتجة عن عدم الاستقرار فى المنطقة.
أولا: ولنبدأ بالمحور الأول المتعلق بالتخويف وآثاره الفزعة. أطلقت إسرائيل فور نجاح الثورة المصرية «فزّاعة» معاهدة السلام بينها وبين مصر، وكيف أنها أصبحت فى مهب الريح. تناولت فى مقال سابق هذا الموضوع مشيرا إلى أن المعاهدة تمثل التزاما دوليا، وأنه لم يسبق لمصر أن أخلت بأى التزام دولى، وأشرت إلى أن المعاهدة تم التصديق عليها من قبل مجلس الشعب المصرى وحظيت بموافقة شعبية من خلال استفتاء عام أُجرىَ وقتها. إلى جانب ذلك وقَّع الرئيس الأمريكى جيمى كارتر على المعاهدة باعتباره شاهدا عليها، كما قدمت الولايات المتحدة لإسرائيل مجموعة ضمانات كتابية ضد إخلال أى طرف للمعاهدة بالتزاماته. اعترضت مصر على هذه الضمانات واعتبرت أنها تضعف من المعاهدة ولا تقويها، إذ إنها تتشكك فى الالتزامات الواردة بها ومدى احترام الطرفين لها. ورفضت مصر عرضا أمريكيا بتقديم ضمانات مماثلة لمصر للأسباب السابقة. يبقى القول أن قوة دولية متعددة الجنسيات تتولى التأكد من التزام الطرفين بترتيبات الأمن الواردة فى المعاهدة.
ادعى نتنياهو أمام الكنيست يوم 22 فبراير الماضى أن الشرق الأوسط يعيش حالة من عدم الاستقرار يمكن أن تمتد لسنوات طويلة، وبالتالى على إسرائيل أن تكون مستعدة لأية نتائج تترتب على ذلك، ويضيف أن هناك شكوكا فى إمكانية العثور على شركاء للسلام فى المستقبل. وردى على ذلك أن مصر تبنت السلام خيارا إستراتيجيا، وما لبثت أن تبنته كل الدول العربية من خلال مبادرة السلام العربية عام 2002.
وفى مجال التخويف.. ادعت إسرائيل أن الإخوان المسلمين عندما يكون لهم صوت مسموع فى المستقبل فى مصر فإنهم لن يقبلوا بمعاهدة السلام. والواقع أنه لم يصدر عن قيادات الإخوان أى قول يثبت تلك الادعاءات أو الرغبة فى التخلى عن الالتزامات أو انتهاك المواثيق.
واتصالا بما سبق، أقامت إسرائيل الدنيا ولم تقعدها عندما سمحت مصر بعبور سفينتين حربيتين إيرانيتين لقناة السويس. ادعت إسرائيل أن إيران إنما توسع من دائرة نفوذها، وأنها أصبحت تهدد الدول الغربية وحلف الناتو فى البحر الأبيض. أحسنت مصر صنعا بتجاهل هذه المغالطات الإسرائيلية وكفاها القول بأن مصر ملتزمة باتفاقية القسطنطينية لعام 1888 وتعامل جميع الدول التى هى ليست فى حرب معها، على قدم المساواة.
ثانيا: أما المغالطات والأكاذيب الإسرائيلية، فحدث عنها ولا حرج، وإليك بعض الأمثلة:
«إن الأحداث فى المنطقة أثبتت أن مخاوف إسرائيل من عدم الاستقرار بها كانت مخاوف حقيقية، ولها ما يبررها». وكأن إسرائيل ترى فى تطلع الشعوب العربية إلى الديمقراطية والحكم الرشيد تعبيرا عن عدم الاستقرار.
«إن ما يحدث يؤكد أن عدم تحقيق تقدم فى عملية السلام لم يكن السبب وراء الأحداث الأخيرة، لا فى مصر ولا فى العالم العربى». والواقع أن إسرائيل بهذا تريد أن تتنصل من أية مسئولية عن النتائج المترتبة على استمرار احتلالها وارتكابها الجرائم فى حق شعوب المنطقة.
«على الولايات المتحدة أن تدرس تأثير العوامل السابقة على حسابات السلطة الفلسطينية، وما إذا كانت الأفكار التى رفضتها السلطة فى السابق، مثل تواجد قوات إسرائيل فى وادى الأردن، أو الاكتفاء بحلول مرحلية بدلا من النهائية، يمكن أن تكون محل قبول منها الآن، بعد انشغال الدول التى كانت تساندها بمشاكلها الداخلية». كلام لا يستحق التعليق!
ثالثا: ولننتقل الآن إلى المحور الثالث من التحرك الإسرائيلى وأعنى به إبراز الخدمات الجليلة التى قدمتها وتقدمها إسرائيل لأمريكا:
على الولايات المتحدة ألا تنسى الخدمات التى لا تقدر بثمن التى قدمتها إسرائيل لأمريكا والعالم عندما دمرت المفاعل النووى العراقى عام 1981 والمنشأة النووية المزعومة فى سوريا عام 2007.
تقدم إسرائيل للولايات المتحدة كل ما لديها من معلومات استخباراتية حول الإرهاب والحركات الإسلامية الراديكالية والأوضاع فى المنطقة. والواقع أن ذلك يطرح التساؤل عما إذا كانت الاستخبارات الإسرائيلية هذه قد تنبأت بأحداث تونس أو مصر أو البحرين أم أنها أضلَّت نفسها ومن ثم أمريكا؟
أمكن من خلال الأبحاث المشتركــــــة الإسرائيليـــــــــــــة الأمريكية تطوير الكثير من أنواع السلاح وبصفة خاصة الصواريخ التى يمكنها اعتراض الصواريخ المضادة بعيدة المدى مثل صاروخ أرو لإسقاط صواريخ شهاب 3 الإيرانية. وأشارت الأنباء إلى أنه تم اختبار هذا الصاروخ بنجاح على شاطئ كاليفورنيا يوم 21 فبراير الماضى. وتعترف إسرائيل أنها توفر للولايات المتحدة حقلا لتجارب أنواع أخرى من السلاح والصواريخ. ولسنا فى حاجة إلى إمعان النظر كثيرا فى البحث عن حقول التجارب هذه وأين تقع؟
استفادت الولايات المتحدة من الخبرات الإسرائيلية فى تطوير أنواع من العربات المدرعة، وأجهزة الكشف عن المتفجرات، والتشويش على إشارات التحكم من على بعد، والطائرات بدون طيار من طراز هنتّر. ولمن يتشكك فى مدى انغماس إسرائيل فى الحرب الأمريكية على العراق وأفغانستان نشير إلى أن اللوبى الإسرائيلى فى الولايات المتحدة يتباهى، من خلال المعلومات التى يبعث بها دوريا إلى الكونجرس، بأن هذه المعدات الإسرائيلية ساهمت فى إنقاذ أرواح أعداد كبيرة من الجنود الأمريكيين العاملين على الجبهتين.
رابعا: نأتى بعد ذلك إلى التحرك الإسرائيلى النشط فى أمريكا من أجل استمرار وزيادة المساعدات العسكرية إليها من مواجهة الأخطار الجديدة. تقول إسرائيل للإدارة الأمريكية والكونجرس إنها تتعرض يوميا إلى دعوات للقضاء عليها، وأنها أصبحت فى مرمى الصواريخ من كل جانب، وأنها تنفق أكثر من 7% من ناتجها القومى على الإنفاق الحربى، ولذلك فهى تحتاج إلى الحفاظ على تفوقها النوعى فى التسليح لمواجهة كل هذه الأخطار. وجدير بالذكر أن إسرائيل ستحصل عام 2011 على 3 بلايين دولار كمساعدات عسكرية، بالإضافة إلى 205 ملايين لنظام القبة الحديدية. والمضحك أن إسرائيل فى دعايتها للحصول على هذه المساعدات تقول للأمريكيين لا تنزعجوا، إذ إن إسرائيل تنفق أكثر من 70% من المساعدات الأمريكية فى شراء السلاح من الولايات المتحدة، وبالتالى فهى تساهم فى مواجهة مشكلة البطالة!
وبعد أن استعرضنا التحرك الإسرائيلى بتشعباته، والحرب النفسية التى تشنها علينا وعلى الدول العربية، فإننا مطالبون بتحرك عاجل داخل أمريكا وخارجها لبيان المكاسب التى حققتها ثوراتنا، والأسس التى ستنطلق منها سياساتنا. وأعتقد أن العالم الذى يشهد للثورة المصرية بسلميتها، وحسن تنظيمها، يتطلع إلى سماع المزيد عن آفاق الديمقراطية والاستقرار واحترام حقوق الإنسان، التى أرست الثورة دعائمها، من أجل الانطلاق نحو مستقبل أفضل.