دور دول شمال أفريقيا كمصدر أساسى للطاقة فى أوروبا
وليد خدوري
آخر تحديث:
الثلاثاء 5 مارس 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
أثار الهجوم الارهابى على مصنع الغاز فى عين اميناس الواقع جنوب شرقى الجزائر بالقرب من الحدود الليبية فى الصحراء الكبرى ردود فعل عديدة ليس فقط تجاه حجم وسلامة الإمدادات النفطية والغازية من الجزائر فقط، بل من مجمل الدول البترولية فى شمال افريقيا، وأثير هذا الموضوع فى كل من النشرات البترولية المتخصصة، بالإضافة الى الجرائد السياسية الواسعة الانتشار والنفوذ (النيويورك تايمس). فقد استغل الاعتداء على مصنع عين اميناس للتساؤل حول مدى امكانية اعتماد دول الاتحاد الاوروبى على الإمدادات البترولية من كل من الجزائر وليبيا ومصر. من المألوف سماع هذه الاحتجاجات من الدول الغربية، كلما واجهت احدى الدول المصدرة (بالذات العربية منها) مشكلة فى إحدى قطاعاتها البترولية، مما يؤثر الى حد ما فى اهتمام الشركات النفطية الدولية فى هذه الدولة. لكن تدل التجارب فى نفس الوقت، ان الاهتمام الدولى فى الاقطار المنتجة مستمر دون انقطاع، رغم تفاوته بين الحين والآخر من هذه الدولة أو تلك.
•••
لماذا توسع الاهتمام بعد حادثة عين اميناس الجزائرية ليشكل قلقا على حجم وسلامة الإمدادات من اقطار شمال افريقيا الثلاث؟ فى الحقيقة، تم استغلال هذا الحادث الخطر، ويجب عدم الاستهانة بخطورة ما حدث فى عين اميناس حيث تم اغتيال 40 عاملا و19 من المهاجمين ــ ناهيك عن التخطيط لإحراق المصنع بكامله مع جميع العاملين فيه (لكن اخفاق هذا المخطط الجهنمى بسبب عدم الدراية الكافية بكيفية تنفيذ هذه المحرقة)، لتبيان تحديات مهمة تواجه أقطار المنطقة. ومن الجدير بالذكر ان المصنع مملوكا، وتتم ادارته، من قبل شركة «بى بى» البريطانية وشركة «ستاتويل» النرويجية وشركة «سوناطراك» الجزائرية الحكومية، ويشكل انتاجه نحو 10 بالمائة من مجمل انتاج الغاز الجزائرى. ورغم الحادث، فلم تتوقف او تتقلص كميات التصدير الجزائرية اذ حولت السلطات البترولية مؤقتا جزءا من الغاز الذى يتم حقنه فى الحقول الى جهة التصدير، كما تم اعادة تشغيل المصنع بعد ايام من الهجوم.
تشتكى الشركات الدولية منذ عدة سنوات من التغيير الذى حصل فى عقود الاستكشاف والانتاج الجزائرية التى تم تغييرها بحيث انخفضت قيمة الارباح للشركات وارتفعت حصة الدولة. من ثم، اخفقت الجزائر فى دورات الترخيص الأخيرة من اجتذاب العدد الكافى من الشركات الدولية للعثور على حقول بترولية جديدة، هذا فى الوقت الذى أخذ ينخفض فيه حجم الانتاج من النفط الخام والغاز الطبيعى. وتعتمد العديد من الدول الاوروبية (اسبانيا والبرتغال وفرنسا وايطاليا بالذات، بالإضافة الى مجمل شبكة الغاز الاوروبية التى تغطى معظم دول الاتحاد) على امدادات الغاز الجزائرية، لذا اهمية استقرار هذا المصدر الطاقوى لبلادهم.
كما تتخوف الشركات الدولية من تأخر وتعرقل الاستمرار بالاستكشاف والتنقيب بعد الثورة الليبية، اما لأسباب أمنية، بالذات بعد حادث مقتل السفير الأمريكى فى بنغازى، أو بسبب طبيعة العقود، ومحاولة الشركات الحصول على شروط أفضل فى الاتفاقات الجديدة فى ظل الاوضاع السياسية والامنية المضطربة، أو انتهاز الفرصة السياسية المضطربة لتعديل العقود القديمة.
يكمن الخوف فى مصر من زيادة معدلات الاستهلاك المحلى ومن ثم، انخفاض حجم وكميات التصدير من الغاز الطبيعى. وبالفعل، فقد قلصت الحكومة المصرية من كميات الغاز الممكن تصديره. كما أن الشركات تتجنب الاستثمار فى المياه العميقة شمال الاسكندرية وبور سعيد دون الحصول على ضمانات اضافية، بالذات فيما يتعلق بتصدير الغاز المسيل.
•••
من المعروف ان احتياطيات البترول فى شمال افريقيا ليس بنفس الحجم الموجود فى منطقة الخليج العربى، لكن هناك عدة عوامل تميز بترول شمال افريقيا عن البترول فى مناطق اخرى، خليجية او غيرها. هناك أولا توفر النفط الخفيف القليل الكبريت فى كل من الجزائر وليبيا وهى نفوط ملائمة لقوانين البيئة التى تم تشريعها فى اوروبا خلال السنوات الاخيرة. وهناك ثانيا قرب المسافة ما بين مناطق الانتاج فى شمال افريقيا والاسواق الاوروبية الاستهلاكية، بالإضافة الى تصدير الغاز اما بتسييله أو عن طريق الانابيب عبر البحر الابيض من كل من الجزائر الى ايطاليا وكذلك من الجزائر الى اسبانيا، ناهيك عن خط الانابيب من ليبيا الى ايطاليا. مما يعنى انخفاض كلفة الشحن فى جميع الاحوال. والأهم من ذلك هو الاتصال المباشر ما بين المنطقتين، دون مضايق يمكن تهديدها او اغلاقها، ومن ثم سلامة الامدادات. واخيرا، هناك استمرار سلامة الإمدادات من شمال افريقيا الى اوروبا طوال العقود الماضية. فمن الملاحظ، مثلا، انه رغم الصراع على السلطة وعنف النزاع المسلح الداخلى فى الجزائر طوال عقد التسعينات، استطاعت السلطات الجزائرية ضمان سلامة العاملين فى المنشآت البترولية والانابيب الطويلة المدى التى تعبر الصحراء الجزائرية الى موانئ التصدير. والحقيقة, ان المراقبين اعتبروا الجزائر مثالا يحتذى به على كيفية السيطرة على نزاع داخلى مسلح عنيف دون خطر حقيقى على المنشات البترولية. ولربما، الأهم من ذلك فى حينه، هو تجنب المليشيات الإرهابية فى استهداف العمال والموظفين فى القطاع البترولى (الجزائريين والاجانب)، ناهيك عن تدمير منشات القطاع باستثناء حادث أو حادثين، طوال فترة النزاع المسلح خلال عقد التسعينيات.
•••
لكن، مع الهجوم المسلح على عين اميناس، يتبين الآن ان الشركات الدولية ستضغط على دول شمال افريقيا للحصول على شروط أفضل. ونعتقد ان هذا سيبدأ مع العقود الاستثمارية الجديدة منها، أو حتى القديمة (حيث سيتم الضغط على تعديلها لصالح الشركات) وهذه عملية طويلة ستأخذ عدة سنوات. وهنا ستلعب الاسواق النفطية دورها فى ترجيح كفة طرف على اخر. لكن يتضح ان إمكانية توفير إمدادات نفطية وغازية أمريكية للأسواق الاوروبية (بسبب الانتاج النفطى والغازى الامريكى) سيرجح كفة الشركات الاوروبية، لان هذا يعنى حصول اوروبا على إمدادات اضافية لم تكن متوفرة لها سابقا. وهذا سيلعب دورا اضافيا فى الضغط على مصدرى الطاقة لأوروبا، إذ ان معادلات سعر الغاز الأمريكى أقل ثمنا من الغاز المستورد من المناطق المجاورة (روسيا وقطر وشمال افريقيا ونيجيريا) لأن معادلات سعر الغاز الامريكى تقارن بالمنافسة مع أسعار الغاز الاخرى بدلا من النفط الخام أو المنتجات البترولية. وهنا نتوقع ضغط الشركات الاوروبية على تغيير معادلات سعر الغاز، وهذا لن يكون لصالح المنتجين. فى نفس الوقت، إن النزاع الغربى والاسرائيلى مع طهران حول الملف النووى الايرانى (اذا لم تتم معالجته سلميا وسريعا) معناه اضطرار لجوء الشركات الدولية الى اكبر عدد ممكن من الدول (منها طبعا دول شمال افريقيا) لتنويع مصادر الإمدادات احترازا من أى تهديدات فعلية ضد مرور الناقلات عبر مضيق هرمز.
مستشار فى نشرة ميس «MESS» النفطية