الفرص المتاحة للصادرات الزراعية لروسيا
عاصم أبو حطب
آخر تحديث:
الخميس 5 مارس 2015 - 9:15 ص
بتوقيت القاهرة
بعد عقود من البرود النسبى فى العلاقات المصرية ــ الروسية ولت مصر خلالها توجهات سياساتها الخارجية شطر الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية، عادت العلاقات بين الدولتين لتصبح أكثر تنسيقا وتقاربا خلال السنوات الأربع الأخيرة التى أعقبت ثورة يناير 2011. وظهر ذلك جليا فى القمم الرئاسية والزيارات والمباحثات التى أجرتها حكومات ما بعد 2011 على اختلاف أطيافها السياسية والأيديولوجية مع الجانب الروسى.
ولا شك أن القمة المصرية ــ الروسية الأخيرة تعد إضافة جديدة لرصيد العلاقات بين البلدين فى مرحلة تعد من أخطر المراحل التى تمر بها المنطقة سياسيا واقتصاديا.
وقد أفردت وسائل الإعلام فى مصر مساحات واسعة لتحليل وتقييم نتائج القمة الأخيرة، ولكن الناظر لهذه التحليلات يلاحظ أنها انصبت وبشكل شبه كامل على النتائج السياسية وانعكاسات القمة على توازن العلاقات الخارجية والثقل السياسى لمصر فى المنطقة. فى المقابل، أغفلت هذه التحليلات على نحو كبير البعد الاقتصادى وما قد يرتبط به من فرص لزيادة الاستثمارات والتبادل التجارى بين الطرفين. وهذا من وجهة نظرى خلل كبير حيث إن هناك توافقا متزايدا بين المراقبين والمحللين المتخصصين فى منطقة الشرق الأوسط على أن مفتاح حل مشكلات مصر هو التنمية والنمو الاقتصادى والذان سيتكفلان بتحقيق الاستقرار السياسى داخليا واستعادة مصر لدورها لريادتها السياسية بالمنطقة.
***
وباستعراض تطور التبادل التجارى بين مصر وروسيا خلال العقدين الماضيين، يتضح أن متوسط حجم التجارة البينية للدولتين قد بلغ نحو 382 مليون دولار خلال الفترة 1994ــ2004، كما يتبين أن هذه القيمة قد اتخذت اتجاها تصاعديا منذ عام 2005، حيث قدر حجم التبادل التجارى للدولتين بنحو مليار و319 مليون دولار عام 2007، واستمر الرقم فى التصاعد المستمر ــ وإن شابه بعض التذبذبات ــ حتى وصل إجمالى التجارة البينية للجانبين إلى نحو 4 مليارات و213 مليون دولار فى عام 2012. وعلى الرغم من هذا النمو، فلا يزال حجم التجارة البينية المصرية ــ الروسية متواضعا حيث لا تمثل سوى 3 بالمائة تقريبا من متوسط حجم تجارة مصر الخارجية مع العالم خلال الفترة 2005ــ2013. وبناء عليه فإن التقارب المصرى ــ الروسى فى السنوات الأخيرة يشكل فرصة جيدة لإعادة دراسة التعاون الاقتصادى بين الجانبين وسبل تطويره وتنميته ليرتقى إلى مستوى العلاقات السياسية بينهما.
وفى هذا السياق، فإن قطاع الصادرات الزراعية المصرية يشكل أحد القطاعات التى يمكن أن تستفيد بشكل مباشر من تطور العلاقات المصرية ــ الروسية سياسيا واقتصاديا. فعلى الرغم من أن مستوى التبادل الزراعى بين الجانبين يعتبر أكثر تواضعا، حيث لم يتجاوز حدود 300 مليون دولار حتى عام 2003، ثم بدأ فى النمو التدريجى إلى أن بلغ مليارا و105 ملايين دولار عام 2007 انتهاء بنحو 2 مليار و560 مليون دولار فى عام 2012، إلا أن توافر عدة عوامل سياسية واقتصادية فى الوقت الراهن تحديدا تجعلنا أمام فرصة مواتية لزيادة حجم الصادرات المصرية من المنتجات الزراعية ــ خصوصا من الخضر والفاكهة ــ إلى السوق الروسية.
وفيما يلى نستعرض بعضا من هذه العوامل وما تمثله من فرص:
• أولا: لا تخلو أى من استراتيجيات التنمية الزراعية فى مصر من التأكيد على ضرورة وأهمية التنوع السوقى لصادرات مصر الزراعية. إذ إن تركز صادرات أى دولة فى عدد محدود من الأسواق يجعلها عرضة للتأثر بأى تغيرات اقتصادية أو سياسية فى السوق المستوردةما قد ينتج عنه اضرار مباشرة للمنتجين والمصدرين.
وقد أشارت استراتيجية التنمية الزراعية المستدامة فى مصر حتى عام 2030 بوضوح إلى أهمية توسيع نطاق التوزيع الجغرافى للصادرات الزراعية المصرية وذلك من خلال فتح أسواق جديدة لمنتجاتنا إلى جانب التوسع فى الصادرات للأسواق التقليدية. وأعتقد أن السوق الروسية تمكنها من أن تساهم فى اعادة هيكلة التوزيع الجغرافى لصادرات مصر الزراعية والمركز أساسا فى أسواق عدد محدود من دول الاتحاد الأوروبى والدول العربية. ليس هذا فحسب، بل إن نفاذ مصر إلى السوق الروسية يعنى مباشرة فرص تصديرية أخرى فى أسواق أوروبا الشرقية التى خرجت مصر من عدد كبير منها خلال العقدين الماضيين.
• ثانيا: إن روسيا تعد سوقا واعدة للمنتجات الزراعية والغذائية المستوردة حيث إنه بسب ظروف وعوامل المناخ وتناقص الاستثمارات فى القطاع الزراعى فى العقود الأخيرة، فقد اصبحت روسيا أحد أهم مستوردى الغذاء والسلع الزراعية فى العالم. فعلى سيل المثال، تمثل واردات روسيا من الفاكهة نحو 50 بالمائة من اجمالى استهلاكها.
ومع تزايد معدلات النمو الاقتصادى فى روسيا فى السنوات الأخيرة وما نتج عنه من ارتفاع فى مستويات المعيشة، فإن هذا سينتج عنه مزيد من الطلب على واردات الغذاء من الفاكهة والخضر والسلع الزراعية الأخرى. وبالتالى فنحن أمام سوق متنامية.
• ثالثا: فى رد فعل منها على العقوبات الأوروبية والأمريكية، فرضت روسيا فى أغسطس من العام الماضى حظرا كاملا على استيراد معظم المنتجات الغذائية من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الاوروبى. وحيث إن "مصائب قوم عند قوم فوائد" خصوصا وأن الحظر يشمل منتجات الخضر والفاكهة، فإن هذا يمثل فرصة كبيرة لمصر للاستفادة من هذا الحظر لا سيما ومصر تتمتع بميزة نسبية وتنافسية فى إنتاج العديد من منتجات الخضر والفاكهة التى تستوردها روسيا. إذن لابد من الاستفادة من هذا القارب فى العلاقات بين الدولتين فى الحصول على مزايا تصديرية تسمح بنفاذ اكبر وأيسر للمنتجات المصرية إلى السوق الروسية.
وهذا الأمر يحتاج لتحرك فورى قبل تشبع السوق وتوزيع الحصص السوقية، حيث إنه بالفعل بدأت دول كثيرة فى أمريكا اللاتينية بمباحثات تجارية مع روسيا للاستفادة من هذا الحظر وعلى رأسها البرازيل والإكوادور وشيلى والأرجنتين. فعلى سبيل المثال، حصلت نحو 91 شركة برازيلية للصناعات الغذائية خلال الأشهر الأخيرة من عام 2014 على تراخيص لتصدير منتجاتها للسوق الروسية.
• رابعا: إن السوق الروسية وإن كانت معروفة بصعوبة اجراءات الدخول، فإنه على أى حال ومقارنة بأسواق الاتحاد الأوروبى يعتبر أقل تعقيدا وأسهل فى النفاذ له. حيث تعانى صادرات مصر الزراعية إلى الاتحاد الأوروبى من قيود وحواجز جمركية وغير جمركية معقدة تعرقل دخول المنتجات لأسواق أوروبا، وما قصة البطاطس المصرية وما تتعرض له شحناتها من تعنت ورفض من قبل الاتحاد الأوروبى ببعيد. وبناء عليه، فإن تنسيق التعاون التجارى بين مصر وروسيا فى مجال الصادرات الزراعية والغذائية من خلال الحصول على معاملة تفضيلية تسمح بزيادة حجم الصادرات الزراعية والغذائية بشروط ايسر وحواجز أقل سيخدم المنتجين ويفتح فرص أوسع للمصدرين المصدرين.
***
إن ما سبق هو مجرد نبذة بسيطة عن أحد المجالات التى يمكن تطويع التقارب السياسى المصرى ــ الروسى من خلالها لخدمة الاقتصاد المصرى، وبالتأكيد فإن هناك العديد من المجالات الأخرى التى لابد من دراستها بدقة وتحليلها بتأنٍ حتى يكون لعلاقاتنا السياسية مع روسيا مردود على الوضع الاقتصادى فى مصر الذى هو ــ من وجهة نظرى ــ يجب ان يقدم على كل ما سواه.
أستاذ مساعد للاقتصاد بالجامعة السويدية للعلوم الزراعية، وباحث زائر بمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة لوند بالسويد
اقتباس
السوق الروسية وإن كانت معروفة بصعوبة إجراءات الدخول، فإنه على أى حال ومقارنة بأسواق الاتحاد الأوروبى يعتبر أقل تعقيدًا وأسهل فى النفاذ له.