خيرى رمضان.. والإشارات الخاطئة
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الإثنين 5 مارس 2018 - 10:10 م
بتوقيت القاهرة
فى الأيام القليلة الماضية صدرت بعض الإشارات الخاطئة، التى تعطى انطباعات غاية فى السلبية داخل وخارج مصر.
أعلم أن النوايا طيبة فى قضايا كثيرة، لكن فى السياسة فإن العبرة بالنتائج والخواتيم ولا يهم فى هذه الحالة إن كانت النوايا طيبة أم سيئة.
آخر هذه الإشارات كان حبس الزميل والصديق خيرى رمضان بتهمة نشر أخبار ومعلومات من شأنها الإساءة إلى جهاز الشرطة والعاملين به.
لا أتحدث ولا أتدخل فى الشأن القضائى، وكل التقدير للنياية والنائب العام المستشار نبيل صادق، خصوصا انه تم الافراج عن رمضان بكفالة ظهر امس. أنا هنا أتحدث عن التداعيات بعيدة المدى.
أعرف خيرى جيدا وأقدر مهنيته. وللأسف، لا يعلم كثيرون أنه ترك العديد من المغريات، مفضلا العمل فى القناة الأولى فى محاولة جادة من جهات كثيرة فى الدولة لتطوير التليفزيون المصرى وعودته ليصبح مؤثرا.
اجتهد خيرى مهنيا، وآخر شىء يمكن تصوره عن هذا الإعلامى الكبير، أن يحاول الإساءة للشرطة أو أى من أجهزة الدولة، وجوهر الفقرة التى سببت المشكلة، تقول إن رجال الشرطة مثلهم مثل غالبية أفراد المجتمع، يعانون من الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وليس على رأسهم ريشة كما يعتقد البعض، وهو أمر فى صالح الشرطة والحكومة بكل تأكيد.
أفهم تماما الحساسية التى يمكن أن يشعر بها رجال الشرطة من تعبير زوجة الضابط فى حوارها مع خيرى رمضان، عن الظروف المعيشية الصعبة، لكن هناك ما يسمى بحسن النية فى قواعد النشر الصحفى، أو حتى عندما تتناول النيابة مثل هذه القضايا.
مرة أخرى جوهر موضوعى اليوم ليس هو حبس خيرى رمضان ــ على الرغم من خطورته الكبيرة ــ لكن الرسائل والإشارات الخاطئة الكثيرة التى يبعث بها هذا الإجراء والعديد من الإجراءات والتصريحات والقرارات التى شهدناها فى الأيام الأخيرة.
رئيس الجمهورية قال أكثر من مرة فى الأسابيع الأخيرة إن ركائز الدولة قد ثبتت، وإن هيبتها قد عادت وإن الذين يحاولون هز هذه الأركان أو الهيبة سوف يفشلون، إضافة إلى نتائج الحملة العادلة الأخيرة ضد الإرهاب والإرهابيين فى كل البلاد خصوصا شمال سيناء.
يضاف إلى كل ذلك أيضا بعض الإنجازات الحقيقية التى تحققت فى الفترة الأخيرة مثل الطرق والمدن الجديدة ومحطات الكهرباء والصوب الزراعية والمزارع السمكية.
فى ظل كل ذلك، فإن الإجراءات الأخيرة سوف تشكك كثيرا فى الجوانب الإيجابية التى تحققت. للأسف الشديد ــ ومع كل التقدير لحسن النية ــ فإن الصورة التى ستصل للبعض فى الداخل، والكثيرين فى الخارج هى أن البلد ليس مستقرا، وأنه يخاف ويخشى من ديوان شعر أو مسرحية عابرة فى نادٍ أو مقال كاتب فى صحيفة، أو كلمة عابرة لمذيع فى مقدمة برنامجه!!.
لا يعنى ذلك بالمرة السماح لأى تجاوز للقانون أو «بذاءات وسفالات» ضد الجيش أو الشرطة. لكن السؤال الذى نكرره كثيرا هو: كيف يمكن أن نتصدى للخروج على القانون، من دون أن نخسر المزيد من سمعتنا وصورتنا؟!!.
إذا أخطأ شخص أو جهة فلتتم محاسبته فى إطار القانون، ومن دون «عمل فرح»، يلفت نظر الناس إلى أن الدولة بأكملها «مجيشة» لفضحه وتجريسه، لأننا ننسى أن هناك بالفعل من يتربص بنا فى الخارج.
للأسف الشديد فإن جزءا من الصورة السلبية التى تترسخ عنا فى الخارج ليس ناتجا فقط عن نظرية المؤامرة، كما يعتقد بعضنا، ولكنه ناتج بالأساس عن تداعيات هذه الإشارات السلبية التى تصدر من الداخل.
لا أدعو إلى معاملة مختلفة لخيرى رمضان عن بقية المواطنين، ولا أدعو إلى عدم ردع الخارجين على القانون أو المسيئين للجيش والشرطة، أو مروجى الإشاعات الكاذبة فى إطار القانون العادل، ولكن أدعو فقط إلى التبصر والتريث والتفكير فى عواقب كل كلمة أو تعبير أو إجراء أو قرار قد يظن بعضنا أنه عابر أو صغير ثم نتفاجأ بأنه يتسبب فى العديد من الآثار الصعبة التى تدفع الدولة بأكملها ثمنه.
مساء الأحد الماضى، وبعد نهاية العشاء الذى أقامه الرئيس عبدالفتاح السيسى، تكريما لولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان قال أحد الصحفيين المؤيد بقوة لسياسيات الحكومة والرئيس: «كيف يكون شعور الانسان، حينما يدافع عن الدولة والحكومة، ليل نهار ثم يتفاجأ بأنه مكلبش ومحبوس فى السجن نتيجة كلمة عابرة قيلت بحسن نية ؟!».