البحث عن امرأة قيصر.. لن تجدوها

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: الخميس 5 مارس 2020 - 10:40 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع على الطريق مقالا للكاتب نصرى الصايغ... نعرض منه ما يلى:
ينتمى لبنان إلى «منظومة» الدول، التى بنت «سياساتها» على تراكم خيباتها وخسائرها وفضائحها. أفدح ما فى تاريخ لبنان أنه يعادى نصوصه. القوانين ومواد الدستور، فلتذهب إلى الجحيم. العدالة، دين راق. يدوسه السياسيون والطائفيون والرأسماليون ولصوص الفتاوى وزعران الاجتهادات وزبانية التحقيق وشياطين إصدار الأحكام، والأخطر، أولئك الذين يؤمنون أن تنويم القضايا فى الأدراج، فضيلة تدر مالا مشبوها ومواقع غير جديرة بحمل أسمائها.
القضاء فى لبنان، ساهم فى القضاء على لبنان. هذا بلد داشر وفالت من العدالة. ودرج أخيرا شعار تافه ومضل: أصلحوا القضاء، تصلح السياسة… كذب. الإصلاح فى القضاء مستحيل، لأنه ملحق بالطبقة السياسية، وخاضع لنفوذ الأقوياء المتسلطين، ولأنه فوق المحاسبة. القضاء لا يُحاسِب ولا يُحاسَب.
القضاء ليس بريئا، فهو من يستجدى السياسيين. إنهم كشجر الحور، يميلون مع كل هواء أو هوى سياسى.
”ارفعوا يديكم عن القضاء «تعفى القضاة من المساءلة: أليس القضاء فى لبنان، على مر الزمان، يمد يديه طلبا للدعم ولتبادل المنافع والرذائل والمظالم والخوَات والفساد. القضاء، يسأل عن مسلكيته هو بالذات، قبل أن تسأل الطبقة السياسية عن… وقبل أن يطلب منها أن ترفع أياديها عن السلطة الرابعة… أصلا، يجب أن تلغى لفظة السلطة عن القضاء، لأنه تخلى على سلطاته وقوانينه، كما يجب أن تلغى المرتبة الرابعة، لأن سلوك القضاء انحط إلى درجة التسوُل والتبعية، وبات السجين المثالى سياسيا، عندما تخلى عن وظيفته كحارس للقانون، وكسجان لمن يخالفه. من دهاليز «العدالة اللبنانية»، دواء النوم. لدى أجهزة القضاء وسيلة مثالية للتهرب. إنهم يحيلون القضايا إلى دور المنامة. ينومِون الملفات. ولننتبه. فقط الملفات الدسمة يسمح لها بالنوم، شهرا، سنة، عشرا، عشرين، إلى مرتبة النسيان والموت. كل الملفات الدسمة نائمة. عفوا. هى منوَمة، ويتم تنويمها بمواد تقتنص من بعض القوانين.
إصلاح القضاء الموعود، لن يتم أبدا فى ظل هذه السلطة. يا ناس، المرتكبون معروفون. أسماؤهم تلمع فى سماء الفضائح. بعضهم يتباهى. يا ناس، قصورهم تدل عليهم. طريقة بذخهم تشير إليهم تعاليهم عن الضعفاء والفقراء، يدل عليهم. أرصدتهم تشير إليهم، ثم، وهنا الأنكى، ملفاتهم الموجودة تفصح عنهم، ومع ذلك، فإن التعامل معهم، يتم، كالصلاة للقديسين والأولياء.
عبث. لا تتفاءلوا أبدا بالتشكيلات. تفاءلوا يوما ما، أو سنة ما، أو بعد عشر سنوات، إذا رأيتم فاسدا خلف القضان، أو إذا رأيتم قاضيا، أو عددا وفيرا من القضاة، يخضعون لحكم عادل، ينتزع منهم ما أخذوه ظلما وفى الظلام، ويودعون عند بيت خالتهم كالأيتام… انتظروا. وإذا متم قبل ذلك، أوصوا أولادكم بذلك.
هل نعتدى على القضاء؟ أبدا. القضاء يعتدى على نفسه وعلى سمعته وعلى سويته وعلى أخلاقياته وعلى التزامه النص، كأنه نص منزل من عند الشعب، الذى قال عنه الشاعر السودانى محمد الفيتورى: ”لا تلمني… قد أصبح الشعب إلها“. للأسف، قبل الانتفاضة الراقية والنقية، كانت السلطة تتعامل مع شعبها كحثالة أو كنعجة تساق إلى المهانة كل يوم.
والله… اللبنانى كائن نبيل مسخته الطبقة السياسية عبدا مأجورا وملحقا.
ويقال: لا يخلو القضاء من الأوادم. صح. لكنهم قلة، أو قلة لا تبادر.
تكتفى بنظافة كفيها، ولا تؤثر بمن تلطخت يداه، وبمن يسير على جبهته خلف حاميه وحراميه.
لهؤلاء النبلاء جدا، نرفع التحية. نعرف بعضهم. إنهم قلة. غابة الفساد تخفى هذه الوجوه والعقول والأخلاق. إنهم من سلالة امرأة قيصر المباركة. هذه القلة، تنتمى إلينا، نحن الناس الذين تحررنا من التبعية والطائفية والزبائنية. وعلينا فى الانتفاضة أن نشد أزر هؤلاء ونشد الخناق على أولئك. ورجاء من دون تسمية راهنا، لأن سيف السلطنة والتسلط طويل. كل كلمة بحق القضاء، نحاسب عليها. على أن يكون حساب هذه المقالة متخففا، فقط، لأن امرأة قيصر، هى أمنا.
لا تعوَلوا على إصلاح النظام السياسى اللعين، قبل إصلاح القضاء الملعون.
التشكيلات التى يتم إنضاجها اليوم، يقال أنها ستخلو من عيوب الماضى.
من يصدق هذه المعجزة؟
أنا لا. لم يأذن أحد بعد، بإحداث المعجزة. والمعجزة تأتى بعد أن ينتصر أبو القاسم الشابى. «إذا الشعب يوما… فلا بد للقضاء أن يتحرر». إنها مسئولية الشعب فى انتفاضته. طهروا القضاء وحصنوه. عندها يبدأ الإصلاح السياسى. فلتكن السلطة الرابعة فى المرتبة الأولى، ولترفع «الكتاب» سيفا فوق رءوس الجميع.
برغم كل هذا السواد، لحظة تفاؤل، تسكرنا. فلعل وعسى يحدث ذلك قريبا. هناك بشائر. نحن بالانتظار. لأى إصلاح صغير، سنرفع الكأس ونشرب نخب امرأة قيصر.
النص الأصلى:من هنا

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved