صالح الشيخ.. والإصلاح الإداري
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 5 مارس 2024 - 7:45 م
بتوقيت القاهرة
د. صالح الشيخ، رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة يمتلك المعرفة الأكاديمية وخبرة الواقع مما يجعله يخوض بجسارة تجربة الإصلاح الإدارى عن وعى، وفهم، وقدرة على الإجابة عن أى سؤال يتصل بهذا الملف المزعج للدولة المصرية منذ النصف الأول من القرن العشرين. فى قاعة المجلس الأعلى للثقافة، وبدعوة من إحدى لجانه الدائمة: لجنة تطوير الإدارة الثقافية وتشريعاتها، تحدث عن الإصلاح الإدارى، وأجاب عن الأسئلة التى طرحت عليه. وبدا من حديثه أنه مؤمن بما يفعل، وليس مجرد مسئول حكومى يدافع عن عمله. بالتأكيد هناك فارق بين من يبشر بما يؤمن، وبين من يقف فى خندق الدفاع عما يفعل.
قال د. صالح الشيخ: إن التحدى الثقافى هو أحد التحديات الأساسية فى الإصلاح الإدارى، نتيجة وجود جملة من الموروثات التى تؤثر فى إدراك وممارسة الوظيفة فى المؤسسات العامة. وقد انطلقت خطة الإصلاح الإدارى منذ عام 2014، وتكللت فى عام 2016 بصدور قانون الخدمة المدنية (81) لعام 2016، والذى يتسق مع خطة التنمية المستدامة 2030، بهدف وجود جهاز حكومى فعال كفء يطبق معايير الحوكمة، يضطلع بدور تنموى، ويُعلى من رضاء المواطن. وفى رأيه أن قانون الخدمة المدنية يمثل إنجازا مهما فى مسيرة الإصلاح الإدارى، لأنه يحافظ على أعمار الموظفين، ويُحدث من الهياكل التنظيمة، ويجعل التطوير جزءا من ثقافة المؤسسات، ويسمح بتوظيف الكفاءات، ولفت إلى أهمية شغل الوظائف الحكومية عن طريق البوابة الحكومية، التى تقضى على المحسوبية، والعلاقات القرابية، وتفسح المجال أمام عشرة الآلاف من الكفاءات والموهبين. وذكر د. صالح الشيخ بثقة واضحة، ووعى بتاريخ الانحراف فى الوظيفة العامة «لم تعد هناك هياكل مؤسسية تخدم اشخاصًا، بل نحن خدام الصالح العام، لأن المؤسسة تسبق الأشخاص».
الحديث كان شيقا، وشارك فيه أيضا الدكتور صفوت النحاس رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة الأسبق، وأدار الحوار الدكتور سعيد المصرى، أستاذ علم الاجتماع، ومقرر لجنة تطوير الإدارة الثقافية وتشريعاتها. وقد طرحت فى خضم الحوار سؤالا يشغلنى منذ فترة: كيف يمكن حل إشكالية القيادة فى المؤسسات العامة؟ فالقيادة، بحكم التعريف يُفترض أن تكون عنوانًا للنزاهة، والانجاز، والعمل، ونشر ثقافة إدارية ناهضة. ولكن لا يحدث ذلك دائما، بل قد نجد فى بعض الأحيان قيادات تجثم على صدر المؤسسات ليست فاسدة بالمعنى المالى، لكنها بليدة بالمعنى الادارى، مرتعشة على المستوى الشخصى، محدودة القدرات، تفرغ المؤسسات من مضمونها، وتهدر قيمة العمل، وتنشر ثقافة إدارية سلبية، ونظرا لأن قواعد المحاسبة الحرفية لا تنطبق عليها لأنها لم تُضبط سارقة أو مرتشية فإنها قد تظل فى موقعها حتى نهاية مدتها القانونية قصرت أم طالت، وتحصل على كامل امتيازاتها الوظيفية إلى أن ترحل مخلفة لمن يأتى بعدها تركة ثقيلة، عن عمد فى بعض الحالات.
وحسب د. صالح الشيخ يحل قانون الخدمة المدنية جزئيًا هذه المعضلة من خلال آليات الاختبارات والمتابعة التى تتيح توظيف وترقية الشخص الكفء، ولكن ــ فى تقديرى ــ تتجاوز المسألة ذلك عند النظر إلى القيادات التى تشغل رئاسة هيئات ومصالح ومؤسسات. بالطبع يصعب أن تحل كل المعضلات فى وقت واحد، وما لمسته من حديث د. صالح الشيخ أن هذه الإشكالية محل اعتبار، وربما هناك جهود تبذل حاليًا لوضع تصور للتعامل معها.
الحديث شيق، كشف الكثير عن أوجه الإصلاح الإدارى الذى ظل معضلة القرن العشرين، وما بعده، من الخبير البريطانى «سنكر» الذى استعين به إبان خبرة الاحتلال، إلى انتقادات رؤساء مصر فى خطبهم للبيروقراطية المصرية، من عبدالناصر إلى مبارك مرورا بالسادات، كل منهم انتقد الجهاز الإدارى لأسباب مختلفة أما لعدم فهم الاشتراكية، أو معاداة الانفتاح الاقتصادى، أو عرقلة الإصلاح الاقتصادى، ورفع فى وقت من الأوقات شعار الثورة الإدارية. ولم يؤد ذلك إلى شىء ملموس. ولكن فى السنوات الماضية انتقلنا من الشكوى إلى الاشتباك الجاد مع معضلة الإدارة العامة. هذا عن الندوة الشيقة، ويٌحسب للمجلس الأعلى للثقافة، وأمينه العام الدكتور هشام عزمى، تكثيف الحوار الثقافى فى كل المجالات حتى يندر أن نجد يومًا يمر دون فاعلية أو أكثر فى قاعات المجلس.