«لا أرض أخرى» صوت للسينما الحرة رغم أنف إسرائيل

خالد محمود
خالد محمود

آخر تحديث: الأربعاء 5 مارس 2025 - 5:35 م بتوقيت القاهرة

كثير من الأفلام العالمية التى تنتمى إنتاجيًا وفكريًا للكيان الصهيونى فازت بجوائز الأوسكار، وهللت إسرائيل لها، ومعها آلتها الإعلامية، وكما تعلمون فإن معظم وسائل الإعلام ذات السطوة يسيطر عليها رأس المال اليهودى، ونماذج تلك الأعمال كثيرة، ومن أشهرها فيلم «قائمة شندلر» لستيفن سبيلبيرج، وآخرها «الوحشى» الذى توج بطله الممثل أدريان برودى بجائزة الأوسكار لأفضل ممثل، بعد أدائه دور مهندس معمارى مجرى يهاجر إلى الولايات المتحدة عقب نجاته من الهولوكوست، وهو الفوز الثانى له بهذه الجائزة المرموقة، والتى نالها للمرة الأولى قبل 22 عاما عن تجسيده شخصية أحد الناجين من الهولوكوست فى فيلم «عازف البيانو»، وهو ما يستدعى للأذهان مسألة متاجرة اليهود بقضية الهولوكوست المزعومة.
هنا تحيى إسرائيل السينما وتثنى على دورها طالما تساهم فى تبنى قضايا تزييف الوعى والتاريخ لصالحها، وعندما فاز مؤخرا الفيلم الفلسطينى «لا أرض أخرى» بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقى طويل فى نسخته الـ97، وهو الفيلم الكاشف لمجازر لا إنسانية لدولة الاحتلال؛ انقلب فكر ونظرة الحكومة الإسرائيلية للسينما وهاجمت منح الجائزة للفيلم.
وهنا أتوقف عند انتقاد وزير الثقافة الإسرائيلى ميكى زوهار، قرار منح «لا أرض أخرى» جائزة الأوسكار قائلا إن ذلك «لحظة حزينة لعالم السينما».!!
ندد «زوهار» بالقرار فى تدوينة على منصة إكس معتبرا أن الفيلم يشوه صورة إسرائيل.
وقال الوزير الإسرائيلى بكل فجاجة «بدلاً من تقديم تعقيدات الواقع الإسرائيلى، اختار صناع الفيلم تعزيز السرديات التى تشوه صورة إسرائيل أمام الجمهور الدولى، وفى الوقت الذى اعتبر فيه أنه حرية التعبير هى قيمة مهمة، اعتبر تحويل التشهير بإسرائيل إلى أداة للترويج الدولى ليس فنًا، بل تخريب ضد دولة إسرائيل، خاصة فى أعقاب مذبحة 7 أكتوبر والحرب المستمرة!!».
الوزير الإسرائيلى لم يتحمل فيلما كاشفا لعنصرية بلاده أمام العالم، وقلب موازين المعادلة فى المذابح والمجازر التى ارتكبوها فى حق الشعب الفلسطينى بل وحق الإنسانية كلها، وأراد أن تصمت السينما، وألا تبوح بقصص الجريمة الكبرى، وأن تكون موجهة لرؤية طرف واحد.
كشف الوزير الإسرائيلى عن هذا الفكر الصهيونى عندما قال: «لهذا السبب بالذات مررنا إصلاحًا فى السينما الممولة من الدولة ــ لضمان توجيه أموال دافعى الضرائب نحو الأعمال الفنية التى تخاطب الجمهور الإسرائيلى، بدلاً من صناعة سينما تبنى مسيرتها على تشويه إسرائيل أمام الساحة العالمية».
فيلم «لا أرض أخرى» ـ الذى أخرجه الرباعى الفلسطينيان باسل عدرا، وحمدان بلال، والإسرائيليان يوفال أبراهام، وراشيل سزور، وهم ناشطون داعمون لقضية فلسطين ـ يعرض قصة أسرة فلسطينية تهجِّرها الحكومة الإسرائيلية من منزلها فى قرية «مسافر يطا» بالضفة الغربية، ويسلط الضوء على جوانب من الوضع هناك من وجهة نظر صناعه، وهو يوثق إجلاء الفلسطينيين من منازلهم فى الأراضى المحتلة، وهدم السلطات الإسرائيلية المتواصل للمكان.
وبينما يحاول المجتمع الفلسطينى البقاء على قيد الحياة يتتبع الفيلم الوثائقى محاولة الحكومة الإسرائيلية إخلاء القرويين بالقوة، بعد أن ادعت ملكيتها للأرض لإقامة منشأة تدريب عسكرية وميدان رماية.
ويرى المشاهدون هدم الملعب المحلى، ومقتل شقيق المخرج باسل عدرا على يد جنود الاحتلال، وهجمات أخرى من قبل المستوطنين اليهود.
يظهر الفيلم أيضًا العلاقة الإنسانية بين عدرا وشريكه فى إخراج الفيلم، الصحفى الإسرائيلى يوفال أبراهام على الرغم من أن تصوير «لا أرض أخرى» انتهى قبل أن تهاجم حماس إسرائيل فى أكتوبر 2023، مما دفع إسرائيل إلى شن حربها على غزة، فإن موضوعات الفيلم الوثائقى ذات صلة بشكل خاص خلال وقت من الصراع المتصاعد فى الشرق الأوسط؛ حيث يواجه الفلسطينيون فى الضفة الغربية عمليات الإخلاء والاعتداء من قبل المستوطنين اليهود منذ عقود من الزمن.
قبل ساعات من فوز الفيلم بجائزة الأوسكار، تعرض سكان منطقة الضفة الغربية التى ظهرت فى مشاهد الفيلم الوثائقى لاعتداءات من قبل مستوطنين إسرائيليين بحماية من قوات إسرائيلية.
استخدم صناع الفيلم خطابات عاطفية لحظة قبولهم الجائزة لتسليط الضوء على آثار الحملات العسكرية الإسرائيلية فى غزة والضفة الغربية المحتلة.
وقال عدرا إن الفيلم «يعكس الواقع القاسى الذى نعانى منه منذ عقود، وهو واقع مستمر حتى اليوم، وندعو العالم إلى اتخاذ خطوات ملموسة لإنهاء هذا الظلم».
ودعا إلى إنهاء «التدمير الرهيب فى غزة» وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين.
وأضاف: «لقد صنعنا هذا الفيلم معًا، فلسطينيون وإسرائيليون، لأن أصواتنا معًا أقوى».
حصد الفيلم العديد من الجوائز فى العام الماضى، ولكن على الرغم من الإشادة التى حظى بها الفيلم من جانب النقاد، فقد تعرض صانعوه لانتقادات شديدة بسبب تعليقاتهم على الحرب فى غزة.
وانتقد مسئولون إسرائيليون إبراهيم عدرا بعد أن دعا إلى وقف إطلاق النار عند تسلمه جائزة أفضل فيلم وثائقى فى مهرجان برلين السينمائى الدولى فى فبراير الماضى، وتلقى إبراهيم بعدها تهديدات بالقتل.
وقال عدرا، وهو أب جديد، فى خطاب قبوله لجائزة الأوسكار، إنه يأمل ألا تضطر ابنته إلى عيش الحياة التى يعيشها الآن.. القلق الدائم، والخوف من هدم المنازل، وعنف المستوطنين، وتهديد التهجير القسرى الذى نواجهه نحن فى «مسافر يطا» كل يوم فى ظل الاحتلال الإسرائيلى.
«لا أرض أخرى» صوت للسينما الحرة والعدالة على الشاشة التى لم تتحقق بعد فى الواقع.. وليس كما يدعى الوزير الإسرائيلى خرابًا للسينما.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved