الخارج وتمويل المنظمات الأهلية
محمد المنشاوي
آخر تحديث:
الجمعة 5 أبريل 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
داهمت قوات الأمن المصرية يوم 29 ديسمبر 2011 مكاتب 17 منظمة حقوقية، منها أربع منظمات أمريكية شبه حكومية هى المعهد الجمهورى الدولى، والمعهد القومى الديمقراطى، وفريدم هاوس والمركز الدولى للصحفيين. وتمت المداهمة بدعوى وجود «دلائل على قيامها بممارسة أنشطة بالمخالفة للقوانين المصرية ذات الصلة، وثبوت عدم حصول أى منها على أية تراخيص لفتح فروع لها فى مصر»، حسبما ورد فى بيان صدر عن قضاة التحقيق المنتدبين من وزير العدل. وأعلنت الجهات القضائية المصرية أسماء 43 تمت إحالتهم إلى محكمة جنايات القاهرة، كما تم منعهم من السفر، وكان من بين هؤلاء المتهمين ستة مواطنين أمريكيين.
وتعمقت الأزمة بعد لجوء الأمريكيين لسفارة بلادهم خشية تعرضهم للاعتقال. وثارة ثائرة الإدارة الأمريكية بما فيها الكونجرس والبيت الأبيض ووزارة الخارجية، وكذلك تدخل البنتاجون، وأكد وزير الدفاع الأمريكى للمشير طنطاوى استحالة موافقة الكونجرس على المساعدات العسكرية وقيمتها 1.3 مليار دولار دون الإفراج، والسماح بعودة المواطنين الأمريكيين لبلادهم فورا. كما استدعى الأمر محادثة تليفونية بين الرئيس الأمريكى والمشير طنطاوى، حيث شدد أوباما على الدور المهم للمجتمع المدنى، بما فى ذلك المنظمات غير الحكومية، فى مجتمع ديمقراطى. وشدد على أن المنظمات غير الحكومية ينبغى أن تكون قادرة على العمل بحرية. وفجأة غادرت سيارات تابعة للسفارة الأمريكية جاردن سيتى متجهة لمطار القاهرة وعليها 13 متهما أجنبيا، من بينهم الستة مواطنين الأمريكيين لتقلهم طائرة عسكرية أمريكية لبلادهم يوم 1 مارس 2012. ولم يعرف لليوم سر وتفاصيل مغادرة الأمريكيين القاهرة، وفى الوقت نفسه تستمر محكمة جنايات جنوب القاهرة النظر فى القضية، وتطالب بإلزام النيابة بضبط وإحضار المتهمين الأجانب.
•••
عقب تسفير المتهمين، اتهمت جماعة الإخوان المسلمين المجلس العسكرى بالخضوع لضغوط واشنطن فى إنهاء قضية التمويل الأجنبى وتسفير الأمريكيين المتهمين معتبرة ذلك تدخلا واضحا فى الشئون الداخلية لمصر وفى عمل القضاء. وأعتبر حزب الحرية والعدالة الذى قاد الأكثرية فى برلمان مصر حينذاك ما حدث بمثابة «الفضيحة». إلا أن قضية التمويل الأمريكى يجب ألا تلهينا عن ملف آخر مسكوت عليه ويتعلق بالتمويل الخليجى للعديد من المنظمات الأهلية ذات الصبغة الدينية. وأظهر تقرير لجنة تقصى الحقائق الخاصة بقضية التمويل الأجنبى تلقى جمعية أنصار السنة المحمدية مبلغ 182 مليون جنيه من مؤسسة الشيخ عيد بن محمد آل ثانى من دولة قطر، ومبلغ 114 مليون جنيه من «جمعية إحياء التراث الإسلامى» بدولة الكويت.
لكل ما سبق ليس مستغربا خروج بعض الأصوات المطالبة بتجريم كل صور التمويل الأجنبى للجمعيات الأهلية، خاصة ذات الأنشطة السياسية وشبه السياسية، باعتبار أن ذلك يمس بالسيادة الوطنية، ويفتح الباب لتدخلات سياسية خارجية، إضافة لآثاره السلبية على فرص نمو التمويل المحلى لهذه الجمعيات. ويمثل غياب الشفافية وعدم التزام المنظمات الأهلية التى تتلقى تمويلا خارجيا الإعلان عن مصادرها عنصرا مهما فى تفهم رفض قطاعات كبيرة من الشعب المصرى للتمويل الخارجى. ولم يكن مفاجئا ما أظهرته استطلاعات للرأى أجراها معهد جالوب الأمريكى خلال شهر مارس 2012، حيث رفض 85% من المصريين قبول منظمات المجتمع المدنى المصرية تمويلا أمريكيا، وهو ما يزيد على نسبة الرفض فى نهايات 2011 إذ بلغت آنذاك 74%.
•••
تقدم الشهر الماضى السيناتور الجمهورى من ولاية فلوريدا ماركو روبيو بتعديل على مشروع الميزانية المعروض أمام مجلس الشيوخ يطالب فيه وزير الخارجية الأمريكى التأكد من «إلغاء الحكومة المصرية كل القيود القانونية والعملية المتعلقة بعمل وتمويل منظمات المجتمع المدنى والمنظمات غير الحكومية، المصرية منها وغير المصرية، خاصة تلك التى تتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطى. ومن أهم تلك المنظمات المعهد الديمقراطى القومى والمعهد الجمهورى الدولى ومنظمة فريدم هاوس».
ما يطالب به السيناتور روبيو يتعد التدخل فى الشأن الداخلى المصرى، وللأسف لم أسمع عن أى إدانة رسمية أو غير رسمية لهذه التصريحات.
طالب روبيو أيضا بتخصيص تمويل برامج الديمقراطية والحكم عن طريق تخصيص دعم مالى مباشر للمنظمات العلمانية غير الحكومية، كذلك دعم برامج سيادة القانون، وحقوق الإنسان والمنافسة السياسية وبناء توافق مجتمعى. وتناسى السيناتور الأمريكى أن المنظمات الأمريكية ليست منظمات «غير حكومية» بل هى منظمات حكومية أو شبه حكومية إذ تتلقى معظم ميزانيتها من الحكومة الأمريكية بصورة مباشرة. ويرأس مجلس الأوصياء فى المعهد الجمهورى السيناتور جون ماكين، أما المعهد الديمقراطى فتترأسه وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت، أما وليام تافت، نائب وزير الدفاع الأسبق والسفير السابق لدى حلف الناتو، فيشغل منصب رئيس مجلس أوصياء فريدم هاوس.
•••
جاءت وثيقة مبادئ وأهداف منظمة الوقف القومى للديمقراطية، وهى أهم الجهات التى تمول المنظمات المذكورة مشتملة على ستة شروط، نص أحدها على «تشجع تطوير المؤسسات الديمقراطية والأنظمة الأجنبية بطريقة تتماشى مع مصالح الولايات المتحدة ومصالح الجماعات التى تساندها المنظمة». ويتمتع لوبى دعم الديمقراطية فى واشنطن بحصانة كبيرة لأسباب داخلية مختلفة لا تخصنا. لذا يجب على المشرعين المصريين تجاهل لوبى واشنطن، فالسماح لمنظمات حكومية وجهات شبه حكومية بتمويل برامج منظمات أهلية ذات طبيعة سياسية، أو تدريب كوادر حزبية سياسية يمثل أهانه للسيادة المصرية على أقل تقدير. ويجب ألا يسمح لمنظمات أجنبية بالعمل داخل مصر فى مجالات سياسية، أو حتى إن تمويل أنشطة منظمات أهلية.
وعلى حزب العدالة والحرية الذى احتج على تسفير الأمريكيين منذ أقل من عام واحد، أن يمتنع عن تقنين أوضاع منظمات رآها تهدد الأمن القومى المصرى. وعلى الحزب ذى الأغلبية البرلمانية أيضا أن لا يسمح كذلك للأشقاء الخليجيين بتمويل أى أنشطة سياسية سواء كان مصدر التمويل حكوميا أو أهليا أو حتى شخصيا.