موسيقى فى بر مصر
محمود قاسم
آخر تحديث:
الجمعة 5 أبريل 2019 - 11:35 م
بتوقيت القاهرة
كل المطلوب منك أن تصعد إلى الدور العاشر فى مبنى التلفزيون لتتأكد من حالة الانهيار التى حدثت فى حياتنا، وعليك أن تمشى فى الرواق الذى يضم قطاع الانتاج. وأن تتذكر كيف كانت هذه الطرقة تشع انتاجا وبهجة ذات يوم، وماصارت عليه الآن، خاصة بعد اغلاق شركة صوت القاهرة، ونقلها إلى المبنى، رغم اننا فوجئنا الاسبوع الماضى بتعيين السيدة نادية مبروك رئيسا لها بعد استنفاد مرات المد لها وبلوغها سن المعاش. من هنا انتج التلفزيون المصرى اجمل مسلسلاته وافلامه التلفزيونية لسنوات طويلة لعل أبرزها هو فيلم «ناصر 56»، الآن لدينا بديل صغير الحجم اسمه الانتاج المتمز التابع لقنوات النيل المتخصصة، وما يدفعنى بالشعور بالمرارة ذلك العمل الجميل الذى شاهدته للمخرجة حنان راضى من ضمن الانتاج المتميز باسم «موسيقى فى بر مصر» الفيلم مدته 39 دقيقة، ورغم ذلك فعليك أن تلاحظ المجهود الكبير المبذول فى انتاجه واخراجه، المخرجة حنان راضى هى واحدة من الموهوبين الذين افرزتهم عائلة راضى التى أحبها كثيرا، ومن أبرزهم الراحل محمد راضى، والمطربة عفاف راضى، وماهر راضى، ومنير راضى وايهاب راضى والاسماء كثيرة باعتبارها من العاملين بالقنوات المتخصصة. فقد تم اسناد اخراج هذا الفيلم إلى حنان راضى وللوهلة الأولى انعكست ما تتمتع به من موهبة موروثة ومكتسبة وتبدو شديدة الألق، والقطار ينطلق بين محافظات مصرية عديدة، وأيضا سيارة الانتاج، كى نستمع ونشاهد أشهر الاغنيات الشعبية المولودة فى أحضان الوطن لتتزاوج الاغانى الشعبية مع الأشخاص، والأماكن
الفيلم تم انتاجه على مرحلتين حتى الآن، الأول يتتبع من خلال الوثائق رحلة الأغنيات عند المصريين منذ عهد الفراعنة، ولعدة قرون، حتى يومنا هذا، أما الجزء الثانى الذى تم انتاجه مؤخرا فهو يحمل اسم «موسيقى فى بر مصر».
اولا دعونى اختلف مع صناع الفيلم فى عنوانه، فترى هل الجزء الثانى عن الموسيقى بآلاتها وألحانها أم هو فيلم عن الغناء والاغنيات، باعتبار ان اغلب ما قدمه الفيلم من نماذج كان من الاغنيات، وأن الموسيقى لم تكن بارزة بالالات فأغلب ما استخدمه الموسيقيون المصريون خاصة فى الغناء الشعبى هى آلات وترية أو ايقاعية بالغة البساطة، واغلب ما سمعناه فى الفيلم هى أجزاء من أغنيات تؤديها جموع، إما النساء أو الرجال، والغريب أننا لم نر الطرفين يغنيان معا بالمرة.
المجهوذ الذى بذله فريق العمل كبير، ومن الواضح انه كانت هناك ميزانية سخية للسفر إلى كل أنحاء محافظات الوطن، شمالا وجنوبا شرقا وغربا واختيار افضل الفرق أو النماذج التى تغنى ما يرمز إلى البيئة ومنها الواو فى قنا والسمسمية فى السويس مرورا بمرسى مطروح وصولا إلى النوبة.
يبدأ الفيلم بفريق العمل يدخل محطة قطار القاهرة كى يظهر القطار المهيب متجها إلى أماكن متفرقة حيث يغنى ابناء الكفور فى كل مكان لكل مكان أغنياته وآلاته، ومن الصعب بالطبع احتواء إمكانيات الوطن كلها فى هذا الوقت الضيق، لكن الملاحظ، هؤلاء الناس خلقوا كى يتغنوا بمناسباتهم الاجتماعية، والغناء هنا لا يقتصر على أعمار بعينها بل يمس كل الأعمار خاصة أغنيات الأفراح، والسيرة الهلالية فى الصعيد، وقد توقف الفيلم عند الاغنيات الإنسانية دون الاقتراب كثيرا من التواشيح والأغنيات الوطنية، أو اغنيات المناسبات، وامعانا فى التأكيد على أهمية المعلومات تمت استضافة باحثين وشعراء دارسين فى ما يخص ثقافة الاغنية منهم الباحثان الصديقان مسعود شومان، والشاعر عبدالستار سليم وأيضا عصام وزيرى وآخرون.
أحب ان أؤكد انه فيلم عن الغناء أكثر منه عن الموسيقى، حيث استعاض بعض من غنوا بالترنيم باللسان بدلا من الالات، كما أن الالات كانت محدودة العدد بشكل ملحوظ.
بكل صراحة فإننى أشعر بأن طاقة المخرجة كان من الأفضل ان تذهب إلى فيلم روائى اسوة بكل أفراد اسرتها.